الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري

أحمد بن إسماعيل الكوراني ت. 893 هجري
27

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري

محقق

الشيخ أحمد عزو عناية

الناشر

دار إحياء التراث العربي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [الحديث ١ - أطرافه في: ٥٤، ٢٥٢٩، ٣٨٩٨، ٥٠٧٠، ٦٦٨٩، ٦٩٥٣]. ــ فإن قلتَ: أشرطٌ أم ركنٌ؟ قلتُ: قال بكلِّ طائفةٌ، والظاهرُ أنها ركنٌ في الصلاة، لأن أولها شرطٌ في غيرها، وهذه القضيةُ على اصطلاح أهل المنطق تُسمى: قضية منحرفة؛ لأن لفظ السور وهو كلٌ دَخَل على المحمول. (فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأةٍ ينكحها فهجرتُهُ إلى ما هاجر إليه) الدنيا فعلٌ من: الدُّنُوّ تأنيث أدنى فكان القياس أن تكون باللام، وإنما جُرّدت عنه لأنها خرجتْ عن الوصفية إلى الاسمية، لأنها عَلَمُ هذه الدار، كما أن الآخرة علمٌ لتلك الدار. والأظهرُ أن المراد: شيءٌ من متاع الدنيا، ولذلك أردفَهُ بذكر المرأة التي هي أحدُ أشياء هذه الدار. اتفق أهلُ الحديث على أن سببَ ورود الحديث أن امرأةً تُسمى أمَّ قيس. قال ابن دِحْية: واسمُها قيلة الهُذَلية، من قبيلة عبد الله بن مسعود، هاجرتْ إلى المدينة، فهاجر لأجلها رجلٌ، ولا يُعرف اسمُه، وإنما اشتهر بين الناس: بمهاجر أمّ قيس. فإن قلتَ: ما معنى قوله: "فهجرتُه إلى ما هاجر إليه"؟ قلتُ: معناه أن هجرته تلك الخسيسةَ التي لا يمكن ذكرها لدناءتها، كما في عَكْسِها (فهجرتُه إلى الله ورسوله) أي: تلك الهجرة التي لا يمكن شرحُ فضلها، وزال بهذا تَوَهُّم اتحاد الشرط والجزاء، ومن قدَّر الجزاء بقوله: فهجرتُهُ غيرُ مقبولة، أو غير صحيحة. فقد أنزل الكلامَ من أوج البلاغة وفسيحه. فإن قلتَ: وَضَع الباب في بيان بدء الوحي، وذكر حديث: "إنما الأعمال بالنيات" ولا تعلُق له بذلك؟ قلتُ: أشار أمام المقصود إلى أن نيته في تأليف كتابه خالصة لوجه الله. قال الخطابي: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم هذا الحديث أمامَ كل شيء يُبدأ به من أمور الدين. فإن قلتَ: قد رَوَى البخاري هذا الحديثَ في سبعة مواضعَ من كتابه، وهذا أخصرُ طُرقه، فلِمَ خَصَّه بالذكر هنا؟ قلتُ: لأن غرضَهُ -كما ذكرنا- الإشارةُ إلى إخلاصه في هذا التأليف، وهو كافٍ في تلك الإشارة، فلا حاجة إلى التطويل. وقال بعضُهم: إنما خَصَّه بالذكر لروايته عن الإمام الكبير وهو الحميدي، وفيه بُعْدٌ لا يخفى. قال المنذري: زعم قومٌ أن هذا الحديث متواترٌ، وهو غلطٌ؛ لأنه من عُمر إلى يحيى بن سعيد الأنصاري روايةُ واحد، ومن يحيى رواه جمٌّ غفيرٌ، قال: فهو غريبٌ في أوله، مشهورٌ في آخره؟

1 / 33