الكامل في التاريخ
محقق
عمر عبد السلام تدمري
الناشر
دار الكتاب العربي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧هـ / ١٩٩٧م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
التاريخ
فَلْنَذْكُرِ الْآنَ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ الِابْتِدَاءُ، أَبِاللَّيْلِ أَمْ بِالنَّهَارِ؟ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّيْلَ خُلِقَ قَبْلَ النَّهَارِ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّهَارَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ، فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ جَاءَ اللَّيْلُ فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّهَارَ - وَهُوَ النُّورُ - وَارِدٌ عَلَى الظُّلْمَةِ الَّتِي هِيَ اللَّيْلُ. وَإِذَا لَمْ يَرِدْ نُورُ الشَّمْسِ كَانَ اللَّيْلُ ثَابِتًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ النَّهَارُ قَبْلَ اللَّيْلِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَا لَيْلَ وَلَا نَهَارَ، وَأَنَّ نُورَهُ كَانَ يُضِيءُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ حَتَّى خَلَقَ اللَّيْلَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ، وَلَا نَهَارٌ. نُورُ السَّمَاوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا - رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا - وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ [النازعات: ٢٧ - ٢٩] فَبَدَأَ بِاللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ.
قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَارِثِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَسَأَلَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، فَقَالَ: ذَلِكَ آيَةٌ مُحِيَتْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا، لِذَلِكَ خَلَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الشَّمْسُ أَنْوَرُ مِنَ الْقَمَرِ.
قُلْتُ: وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ هَاهُنَا حَدِيثًا طَوِيلًا فِي عِدَّةِ أَوْرَاقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي خَلْقِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَسَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُمَا عَلَى عَجَلَتَيْنِ، لِكُلِّ عَجَلَةٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عُرْوَةً، يَجُرُّهَا بِعَدَدِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنِ الْعَجَلَتَيْنِ فَيَغُوصَانِ فِي بَحْرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَذَلِكَ كُسُوفُهُمَا، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُخْرِجُونَهَا فَذَلِكَ تَجْلِيَتُهُمَا مِنَ الْكُسُوفِ. وَذَكَرَ الْكَوَاكِبَ، وَسَيْرَهَا، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ مَدِينَةً
1 / 22