الكامل في التاريخ
محقق
عمر عبد السلام تدمري
الناشر
دار الكتاب العربي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧هـ / ١٩٩٧م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
التاريخ
وَأَمَّا امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: كَيْفَ أَتْرُكُهُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، يَمُوتُ جُوعًا وَتَأْكُلُهُ السِّبَاعُ؟ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَرَأَتْ أَيُّوبَ وَقَدْ عُوفِيَ، فَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَعَجِبَتْ حَيْثُ لَمْ تَرَهُ عَلَى حَالِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَلْ رَأَيْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ هَهُنَا؟ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفِينَهُ إِذَا رَأَيْتِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: هُوَ أَنَا. فَعَرَفَتْهُ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ: مَسَّنِيَ الضُّرُّ لَمَّا وَصَلَ الدُّودُ إِلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ خَافَ أَنْ يَبْطُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْفِكْرِ. وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، قِيلَ هُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَقِيلَ: رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَرَدَّ إِلَيْهَا شَبَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ذَكَرًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ، إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ لِصَبْرِكَ عَلَى الْبَلَاءِ. اخْرُجْ إِلَى أَنْدَرِكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَتِ الْجَرَادَةُ تَذْهَبُ فَيَتْبَعُهَا حَتَّى يَرُدَّهَا فِي أَنْدَرِهِ، فَقَالَ الْمَلَكُ: أَمَا تَشْبَعُ مِنَ الدَّاخِلِ حَتَّى تَتْبَعَ الْخَارِجَ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْبَرَكَةَ مِنْ بَرَكَاتِ رَبِّي لَسْتُ أَشْبَعُ مِنْهَا.
وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ أَنْ رُفِعَ عَنْهُ الْبَلَاءُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَلَمَّا عُوفِيَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ عُرْجُونًا مِنَ النَّخْلِ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبَ بِهِ زَوْجَتَهُ لِيَبَرَّ مِنْ يَمِينِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُ أَيُّوبَ: رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ، دُعَاءٌ لَيْسَ بِشَكْوَى، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ [الأنبياء: ٨٤] .
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ أَيُّوبَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ جَارٍ عَيْنُهُ تَرَانِي إِنْ رَأَى حَسَنَةً سَتَرَهَا وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً ذَكَرَهَا. وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ دُعَائِهِ أَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّبَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى دِينِهِ اسْمُ أَحَدِهِمْ بَلْدَدُ
1 / 118