حكم من لم تبلغه الرسل
فإن كان في الدنيا أحد لم تأته الأخبار فعلم أنه وما أشبهه مخلوق، وأن الله خالقه وخالق الخلق، وأنه قديم وما سواه محدث، وأنه لا شبه له ولا نظير، وأنه عدل لا يجور، وحكيم لا يظلم، فقد أصاب جملة التوحيد والعدل. فإن شبهه بعد ذلك بيسير، أو شك في أنه يشبهه شيئا، أو ظن أنه يظلم أو يجور، فقد نقض جملته، وخرج مما دخل فيه.
وأما من أتته الأنباء والأخبار، وقامت عليه الحجة بالرسل والكتب والأنبياء، فإذا هو عرف الجملة وأقر بها، وعرف الرسول، وشهد الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقر بجميع ما يأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه الحق، وضمن أداء جميع مافرض الله عليه، فهو يعد مؤمن مسلم، فإن جحد ذلك أو شك فيه بعد قيام الحجة عليه، فقد نقض جملته وصار بذلك من الكافرين.
ومن العلم بدين الله عندنا معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: معرفة من هو وممن هو، وأنه لا نبي بعده، وأنه لم يكن يعلم الغيب ولا ينتحله أحد بعده. وأن القرآن كتاب الله، وأنه أخبر فيه أن حجته بالغة، وأنها عند جميع الناس في لغاتهم معروفة، وأن أنبياء الله لم تزل تحتج بها وتقر أنها من خالقها، وأنهم جميعا جاءوا بالبينات والآيات وهن الحجج، وأن تلك الحجج ميراث الأنبياء يورثونها أتباعهم.
وأن الله أبان رسله بالأعلام والدلالة التي لا يقدر الخلق عليها، ولا تكون إلا من فعل الخالق، كإحياء الموتى، وإلقاء العصا فصارت حية تسعى، وكمجيء الشجرة، وكلام الذئب، وأن هذا ما لا يعطى أحد إلا الأنبياء والرسل.
صفحة ٢٥٠