الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف
تصانيف
قال رضي الله عنه: ما كانت خطيئة أدم إلا صغيرة مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التي هي أجل الأعمال وأعظم الطاعات، وإنما جزي عليه ما جرى من نزع اللباس والإخراج من الجنة والإهباط من السماء كما فعل بإبليس تعظيما لخطيئته وتعظيما لشأنها وتهويلا لمكانها ليكون ذلك لطفا له ولذريته في اجتناب الخطايا واتقاء المأثم وللتنبيه على أنه إذا أخرج من الجنة بخطيئة واحدة، وهو هو فكيف يدخلها ذو خطأ جملة، واكتفى بذكر توبة آدم دون توبة حوى لأنها كانت تبعا له، وقد ذكرها في قوله قالا ربنا ظلمنا أنفسنا {يا بني إسرائيل} إسرائيل هو يعقوب عليه السلام وإسرائيل لقب له ومعناه صفوة الله وقيل: معناه عبد الله والمعنى في أولاد يعقوب {اذكروا نعمتي} أي: اشكروها وذكر النعمة شكرها، يعني نعمتي،أي: {التي أنعمت عليكم} وهي فلق البحر والإنجاء من فرعون ومن الغرق ومن العفو عن اتخاذ العجل، والتوبة عليهم في تظليل الغمام إلى سائر ما أنعم الله عليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وآله وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل وشكر هذه النعمة طاعته في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم صرح بذلك فقال بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي ،والتصديق بنبي الرحمة والكتاب المعجز {أوفي بعهدكم} أي: ما عاهدتموني عليه من حسن الثواب وادخار الجنة ، {وإياي فارهبون} فلا تنقضوا عهدي وخافوا عذابي، وحلول سخطي وسلب نعمتي {وأمنوا بما أنزلت} وهو القرآن {مصدقا لما معكم} أي: موافقا للتوراة التوحيد والنبوة والمعنى صدقوا بالقرآن المنزل معجزته في حال تصديقه للتوراة التي معكم {ولا تكونوا أول كافر به} أي: أول من يكفر به من أهل الكتاب لأنكم إذا كفرتم كفر أتباعكم فتكونوا أئمة الضلالة والخطاب لعلماء اليهود، وهو تعريض لهم بأنهم كانوا الأحق بالسبق إلى الإيمان به لعلمهم به في كتابهم {ولا تشتروا} ولا تستبدلوا {بآياتي} أي: بيان صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونعته {ثمنا قليلا} أي: عوضا يسير من الدنيا وهي الرئاسة التي كانت لهم في قومهم أو ما كانوا ينصبونه من سلفهم فخافوا أنهم بينوا صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن تفوتهم تلك المأكل والرئاسة ويصبحوا أتباعا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستبدلوها وهي بدل قليل ومتاع يسير يآيات الله وبالحق الذي كل كثيرا إليه قليل وكل كبير إليه صغير وكل عظيم إليه حقير {وإياي فاتقون} أي خصوني بالتقوى واخشوني في أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما يفوتكم من الرئاسة لتقوا أنفسكم عذابي.
صفحة ٥١