165

الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف

نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين(223)ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم(224)لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم(225) {نسائكم حرث لكم} أي: موضع حرث لكم وهذا إيجاز لطيف شبهن بالمحاريث ولما يلقي في أرحامهن من اللطف التي منها النسل بالبذور، وقوله {فأتوا حرثكم أنى شئتم} تمثيل أي: فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثونها من أي جهة شئتم لا تحظر عليكم جهة دون جهة والمعنى: جامعوهن من أي شق أردتم إذا كان المأتى واحد وهو القبل، وقوله {وهو أذا} واعتزلوا النساء ومن حيث أمركم فأتوا حرثكم أنى شئتم من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة وهذه أشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في تجاوزاتهم ومكاتباتهم، تأدبا بآداب الله، وروي أن اليهود كانوا يقولون من جامع امرأته وهي مجبية من دبرها في قبلها كان ولدها أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((كذبت اليهود)) {وقدموا لأنفسكم} ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة، وما هو خلاف ما نهيتهم عنه، وقيل: هو طالب الولد وقيل: التسمية على الوطء،{واتقوا الله} فلا تجترؤا على المناهي {واعلموا أنكم ملاقوه} فتزودوا مالا تفضحون به {وبشر المؤمنين} المستوجبين للمدح، وأعضهم بترك القبائح وفعل الحسنات، كقوله {يسألونك} في هذه الآي بغير واو ثلاث مرات ثم جاءت مع الواو ثلاث لأن سؤالهم عن تلك الحوادث المتقدمة وقع في أحوال متفرقة فلم يؤتى بحرف العطف لأن كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ، وسؤالهم عن الحوادث المتأخرة وقع في وقت واحد فجئ بحرف الجمع لذلك كأنه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن الإنفاق، وسؤال عن كذا وكذا، {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} لعرضه المانع من الشئ والحاجز عنه يقال: فلان عرضه دون الخير، والعرضة أيضا المعرض للأمر والمعنى: أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد، أو عبادتهم يقول أخاف الله إن أحنث في يميني فيترك البر إرادة البر في يمينه، فقيل لهم: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أي: حاجزا لما حلفتم عليه، وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة حلف أن لا تدخل أخته على زوجها بشير بن النعمان، وأن لا تكلمه ولا يدخل بيت خصم له لشئ كان بينهما، وجعل يقول قد حلفت بالله أن لا أفعل فلا يحل لي ذلك، فنهاه الله عن هذه ومعناه فلا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة من البر والتقوى من حيث يعتمدون اليمين، {أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} أي: إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الخلاف مجترأ على الله غير معظم له فلا يكون برا متقيا، ولا بتوبة الناس فلا تدخلوا به في رباطتهم وإصلاح ذات بينهم {والله سميع عليم} يسمع لأقوالكم في أيمانكم عليم بنياتكم وضمائركم، {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} هو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره. [99 {أي: لا يحاسبكم على اللغو من أيمانكم واختلف فيه الفقهاء، فعند أبي ع، وص هو أن يحلف على الشئ بظنه على ما حلف عليه، ثم يظهر خلافه، وهو مذهب آبائنا عليهم السلام ويؤيده قوله في المائدة {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} وسيأتي إن شاء الله تعالى.وعند ش هو قول العرب لا والله بلى والله، مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف ولا قيل لواحد منهم سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام، لأنكر ذلك ولعله قال: لا والله ألف مرة، والمعنى: لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم بالظن، {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي: ولكن بعاقبكم بما اقترفته من إثم القصد إلى الكذب في اليمين وهي اليمين الغموس، والمعنى: لا يؤاخذكم أي: لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه ولكن يلزمكم الكفارة بما كسبت قلوبكم أي: بما نوت قلوبكم وقصدت {والله غفور رحيم} حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم.

صفحة ١٨٩