فما مضى يوم حتى خبئوا وخانوا يعني بني اسراءيل فمسخوا قردة وخنازير وقال ميسرة كانت المائدة إذا وضعت لبني اسراءيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم وأكثر الناس في قصص المائدة مما رأيت اختصاره لعدم سنده وقوله سبحانه وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله الآية اختلف المفسرون في وقت وقوع هذا القول فقال السدي وغيره لما رفع الله عيسى إلى السماء قالت النصارى ما قالت وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك فسأله تعالى عن قولهم فقال سبحانك الآية ويجيء على هذا قوله وإن تغفر لهم أي في التوبة من الكفر لأن هذا قاله وهم أحياء في الدنيا وقال ابن عباس وجمهور الناس هذا القول من الله إنما هو يوم القيامة يقوله الله له على رؤس الخلائق فيرى الكفار تبريه منهم ويعلمون أن ما كانوا فيه باطل فقال على هذا التأويل بمعنى يقول ونزل الماضي موضع المستقبل لدلالته على كون الأمر وثبوته وقوله آخرا وإن تغفر لهم معناه إن عذبت العالم كله فبحقك فهم عبادك تصنع بحق الملك ما شئت لا اعتراض عليك وإن غفرت وسبق ذلك في علمك فلانك أهل لذلك لا معقب لحكمك ولا منازع لك فيقول عيسى هذا على جهة التسليم والتعزي عنهم مع علمه بأنهم كفرة قد حتم عليهم العذاب وهذا القول عندي أرجح ويتقوى بما يأتي بعد وهو قوله سبحانه هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقوله سبحانك أي تنزيها لك عن ان يقال هذا وينطق به ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي ما يكون لبشر محدث أن يدعي الالوهية ثم قال إن كنت قلته فقد علمته لأنك أحطت بكل شيء علما وأحصيت كل شيء عددا فوفق الله عيسى لهذه الحجة البالغة وقوله تعلم ما في نفسي خص النفس بالذكر لأنها مظنة الكتم والانطواء على المعلومات والمعنى أن الله سبحانه يعلم ما في نفس عيسى ويعلم كل أمره مما عسى أن لا يكون في نفسه وقوله ولا أعلم ما في نفسك معناه ولا أعلم ما عندك من المعلومات وما أحطت به وذكر النفس هنا مقابلة لفظية في اللسان العربي يقتضيها إلإيجاز وهذا ينظر من طرف خفي إلى قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله يستهزئ بهم فتسمية العقوبة باسم الذنب إنما قاد إليها طلب المقابلة اللفظية إذ هي من فصيح الكلام وبارع العبارة ثم أقر عيسى عليه السلام لله تعالى بأنه سبحانه علام الغيوب أي ولا علم لي أنا بغيب وقوله فلما توفيتنى أي قبضتني بالرفع والتصيير في السماء والرقيب الحافظ المراعي وقوله فإنك أنت العزيز أي في قدرتك الحكيم في أفعالك والمعنى إن يكن لك في الناس معذبون فهم عبادك وإن يكن مغفور لهم فعزتك وحكمتك تقتضي هذا كله قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فدخل تحت هذه العبارة كل مؤمن بالله سبحانه وكل ما كان أتقى فهو أدخل في العبارة وجاءت هذه العبارة مشيرة إلى عيسى عليه السلام في حاله وصدقه فيحصل له بذلك في الموقف شرف عظيم وإن كان اللفظ يعمه وسواه ثم ذكر تعالى ما أعده لهم برحمته وطوله جعلنا الله منهم بمنه وسعة جوده لا رب غيره ولا مرجو في الدارين سواه وباقي الآية بين جعل الله ما كتبناه من هذه الأحرف نورا يسعى بين أيدينا بمنه والحمد لله كما هو أهله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام قيل كلها مكية إلا ءايات يسيرة
قال ابن عباس نزلت سورة الأنعام وحولها سبعون الف ملك لهم زجل يجأرون
صفحة ٥٠٣