فيا دارها بالخيف إن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال وكان يقال: (( تمني العلا سهل، وإدراكه صعب ))، ومن تجاوز حده تعرض بجمعه للخطب، وكان يقال: أين الماء من السماء، وأين موقع السيل من مطلع سهيل؟ أين ورقاء العرش من عنقاء الفرش ، أين من فلك المعاني من فلك الصور، وأين من بحر اللآلىء من بحر الفكر، أين مطلع صباح البصائر من مطلع صباح الإبصار، هذا أفق يتعاقب فيه شمس وقمر، وذاك أفق كله شموس وأقمار.
ودون رسم الديار حد سيوف ... ... مانع من دنا لسجف خباء
لاتخافوا لو دنوت إليها ... ... ... أحرقتني أشعة الأضواء
... وبالجملة: فما مزية التقرب إلى ابن داود برجل الجراد، والتشخب على البحور بأوشال الثمار؟ وكيف أعرض على روح القدس وحيا، وأجلب إلى صنعاء اليمن وشيا؟ أم كيف أخلع ربقة النهى، وأقابل بين البدر والسهى؟ أين الهباء من البهاء؟ وأين الأغبياء من النبهاء؟ وحيث وقفت الأماني دون تلك المآرب لعزة هاتيك المطالب.
وقلت لأصحابي هي الشمس ضوؤها قريب ولكن في تناولها بعد
... فلتكن خدمة لخزانة مولى، لا زالت عتبته العلية كعبة فضل يعول عليها، وسدته السنية مدينة علم يهاجر إليها، ولا برحت وفود العلماء عاكفة بناديه، وألسنة الرجاء من آفاق الثناء تناديه؛ بسلام فواتح أشواقه أنضر من بهيج الأزهار، وفواتح أوراقه أعطر من أريج الأسحار، مشفوعا بدعاء يقرع أبواب الإجابة بأنامل الرجاء، وثناء يملأ بطيب أرجه سائر الأرجاء.
أبلج لا يخجل راجي فضله ... ولا يرى الوصمة في سؤاله
أكفه على العطا قد طبعت ... والطبع لا يطمع في انتقاله
سلني به يا من يساميه أقل ... هذا مجال لست من رجاله
... هو مولانا، وأحد العلماء، وماجد العظماء، ابن عباس العلوم، محرر المنطوق والمفهوم، إياس القضاء ذكاء وإفادة، وأويس(1) الزمان عفة وزهادة، مجمع المفاخر والألقاب الفواخر، المحقق دعوى: كم ترك الأول للآخر!
صفحة ٩