وإني على ما في حضرية ... ... يعجبني ظل الحنا المشرع ... وقد استقرت العزيمة على الاكتفاء بغيض من فيض، وطل من وبل، ونهر من بحر، إذ كل كثير عدو للطبيعة، وراكب سهوب الإسهاب مستهدف للوقيعة، وإنما يحمد المرء في اختصار القيل، وإلغاء القول النقيل، وأوجزت جمعي وفي الإيجاز فائدة، وللكرام من التطويل تصديع، على أني لا أزعم أنه جمع سلامة، ولا أدعي أنه صنيع فاضل يستحسنه النبيه، والعلامة، ولا فحوى البلاغة من بعد لم ينقطع وسلوك طريق الإيجاز أصلا ، وراء سالم يمتنع، ومن لي بخلو البال، واستقامة الحال، ومعاضدة الزمن الغشوم بانتقاء الهموم والشواغل، ومساعدة القدر بكف أذى اللثام، والأراذل، فآخذ في مصنوع الكلام، وأثني على ذلك المقام، وكيف تصفو القريحة وصفاء الوقت تكدره، وسيل المحن من أعلى الروابي تحدره. مع أني في زمن تشابه فيه الضاحك والباكي، وقل به الشاكر، وكثر الشاكي، وفيما دفعت إليه من المضائق، وحال دون آمالي من العوائق، ما يرتج به الكلام على الفصيح، ويشتبه الصواب على الحازم المشيح. وما أصدق ما قال:
إذا كان عون الله للمرء قائدا ... تهيأ له من غير سعي مراده
وإن لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
وإن اعترافي بالتأخر حيث لا ... يقدمني فضل أجل وأرفع
... وكأني بالحواسد والعذال نسبوني في ذلك إلى المحال، وقائل قائلهم: مادح نفسه يقرئك السلام. فأقول: نعم يهدي من التحية والثناء ما تتأرج به الرياض باكرتها الغمام، والله الموفق للسداد، وعلى كرمه التعويل، وبواسطة لطفه التأميل.
من ص 3-36
تعريف المدينة لغة واصطلاحا:
صفحة ١٣