لنفترض، إذن، أن حكاية الرجل كانت مختلقة، فما مجموعة الظروف التي تفسر قتله لسوريل؟ هل من الممكن أنه استاء من رحيل صديقه دون أن يعرض عليه مساعدته، لدرجة أنه قد يرتكب جريمة قتل من أجل ذلك؟ لكن كان بحوزته أموال سوريل . وإن كان قد حصل على هذا المال قبل وفاة سوريل، فلن يكون لديه سبب لقتله. ولو لم يفعل، لكان قد عثر على المال بحوزة سوريل. أو لنفترض أنه حصل على المال عن طريق سرقة محفظة صديقه خلال وقت ما بعد الظهر، فلن يكون هناك أي دافع للقتل، ولتوفرت كل الأسباب التي تدعو للابتعاد عن صف الانتظار. كلما فكر جرانت في الأمر، أصبح من المستحيل ابتكار نظرية جيدة حقا عن سبب قتل لامونت لسوريل. والأهم من ذلك كله أن مجيئه إلى مكان عام مثل صف انتظار المسرح ليتجادل مع صديقه حول شيء ما؛ كان لصالحه. لم يكن ذلك تمهيدا معتادا للقتل المتعمد. لكن ربما لم يكن القتل متعمدا. لم يعط لامونت انطباعا لرجل كان ينوي القتل منذ مدة طويلة جدا. ألم يكن الخلاف حول المسدس إطلاقا ولكن حول شيء أكثر مرارة؟ هل كانت هناك امرأة في القضية، على سبيل المثال؟ وبدون أي سبب تذكر جرانت لحظة وجه لامونت عندما خرجت الآنسة دينمونت من الغرفة كما لو لم يكن هناك، ونبرات صوته عندما كان يروي قصة حب سوريل المشتبه بها، ورفض هذه النظرية.
ماذا عن الأعمال؟ من الواضح أن لامونت شعر بفقره النسبي بشدة، واستاء من افتقار صديقه إلى التعاطف. هل كان «فاض بي الكيل» تعبيرا لطيفا عن الاستياء الخانق الذي أشعل الكراهية؟ لكن - بعد أن حصل على 223 جنيها - لا، لم يكن يعلم بالطبع عن ذلك إلا في وقت لاحق. ربما كانت قصة الطرد تلك صحيحة، وظن أنها تحتوي على ساعة اليد المتوقعة. فبرغم كل شيء، لا يتوقع المرء أن يتلقى 223 جنيها من صديق ترك كل ثروته. كان ذلك ممكنا ويحتمل حدوثه. لقد ودعه، وبعد ذلك - ولكن ما الذي تجادل بشأنه؟ لو كان عاد لطعن سوريل، لما لفت الانتباه إلى نفسه. وماذا كان سوريل ينوي أن يفعل؟ إذا كانت قصة لامونت صحيحة، فإن التفسير الوحيد لسلوك سوريل هو الانتحار المتعمد. كلما فكر جرانت أكثر، زادت ثقته بأنه لا يوجد شيء سوى إلقاء الضوء على تاريخ سوريل لتوضيح المشكلة وإثبات إدانة لامونت أو - بشكل لا يمكن تصديقه! - براءته. كان أول ما عمله عندما عاد إلى المدينة هو القيام بما أهمله في استعجاله للقبض على لامونت - العثور على أمتعة سوريل وفحصها. وإذا لم يسفر ذلك عن شيء، فسوف يقابل السيدة إيفريت مرة أخرى. إنه يود مقابلة السيدة إيفريت مرة أخرى!
ألقى نظرة أخيرة على لامونت النائم بسلام، وقال كلمة أخيرة للشرطي اليقظ المتبلد الحس، وهيأ نفسه للنوم، قلقا، ولكن عازما. هذا الأمر لن يترك حيث كان.
الفصل الخامس عشر
البروش
بعد حمام ساخن، قام خلاله بعدم فعل شيء في البخار المتمايل، وحاول إبهار نفسه بهذه الحالة الذهنية المريحة عادة لضابط التحريات الذي قبض على رجله، اتجه جرانت إلى سكوتلانديارد وذهب لمقابلة رئيسه. عندما دخل إلى حضرة الرجل العظيم، كان باركر مجاملا.
قال: «أهنئك جرانت! كان هذا عملا ذكيا جدا.» وسأل عن تفاصيل الاعتقال التي لم يدرجها جرانت، بالطبع، في تقريره الرسمي، وقدم له جرانت مخططا حيويا للأيام الثلاثة التي قضاها في كارنينيش. كان مفوض الشرطة مستمتعا للغاية.
قال: «أحسنت! أكثر مني. لم يكن الانطلاق عبر المستنقعات أمرا مسليا بالنسبة إلي قط. يبدو أنك كنت الرجل المناسب في المكان المناسب هذه المرة، جرانت.»
قال جرانت دون حماس: «أجل.»
قال باركر مبتسما في وجهه غير المبتسم: «أنت تتحكم في مشاعرك، أليس كذلك؟». «حسنا، لقد كنت محظوظا في الغالب، لكني ارتكبت خطأ فادحا.» «ما هو؟» «اكتشفت أن سوريل كان ينوي حقا الذهاب إلى أمريكا - على الأقل، حجز سريرا - ونسيت أن متعلقاته ستكون في المحطة الأخيرة في انتظار فحصها.» «هذا لا يبدو خطأ جوهريا بالنسبة إلي. لقد عرفت من هو الرجل ومن هم أصدقاؤه. ما الذي اكتشفته أيضا وساعدك في القبض على لامونت؟» «لا شيء عن لامونت. لقد نسيت الأمتعة لأنني كنت قريبا جدا من اقتفاء أثر لامونت. لكني أريد أن أعرف المزيد عن سوريل.» وأضاف في انفجار مفاجئ: «أصدقك قولا، لست سعيدا جدا بهذه القضية .»
صفحة غير معروفة