وهذا الصنف من الأشرار لا يؤذن له أن يجاور الله فى جنته، فإن ما التصق به من دنايا يسوقه سوقا إلى النار (ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين) . أما الذين تكلفوا مشاق التهذيب والتنزيه، ونقوا أنفسهم من أدران الشر ونوازع الإثم فإنهم يأخذون طريقهم إلى الجنة ممهدا ويقال لهم: (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) . الدين إذن صلة بالله رفعت أصحابها، وزكت أنفسهم وصفت معادنهم وتلك هى حقيقة الكمال الإنسانى. ولسنا نتصور كمالا إنسانيا مع انقطاع الصلة بالله، وإضمار الكرة لشرائعه. إن الجهل بالله، والوحشة من طريقه جذام يجتاح النفوس ويدعها لا تساوى شيئا. إن كنود المنعم الأكبر وإنكار وجوده أو إنكار حقوقه هو الخيانة العظمى التى لا يقبل معها خير يقدم، أو يكترث معها بميزة قائمة. ونحن نحب أن نعرف هذه الحقائق بجلاء، هناك من يظن الدين صلة بالله لا تورث النفوس أدبا ولا شرفا، وهؤلاء كذبة على الإسلام يجب إبعادهم عن حظيرته. وهناك من يظن الاكتمال النفسى يتوصل إليه دون الإيمان بالله، وإقام للصلاة وإيتاء للزكاة، وهؤلاء أدعياء مغرورون لا يجوز أن تكون لهم حرمة، ولا أن تحفظ لهم مكانة فإن الدعامة الأولى لما تصبوا إليه الإنسانية من كرامة ومجد هى الاعتراف بالله والخضوع له والاستمداد منه والاحتكام إليه... لقد شاعت فى أوساط كثيرة فكرة أن المرء يقاطع الدين، أو يجامله بكلمات باهتة، ثم يختط لنفسه طريقا فى الحياة لا تعرف المسجد؟ ولا تقيم وزنا لمواريث السماء جملة وتفصيلا. وهو مع إقفار حياته من الدين؟ وفراغ قلبه من الله يزعم أنه استكمل أسباب الكرامة واستجمع خصال الخير... أما مقاييس الخير والشر فقد انقلبت فى وعيه رأسا على عقب، وما تظن بامرئ لا يستهدى بوحى، ولا يستيقن بآخرة؟ إن حكمه على الأمور ينبع من نفسه وحدها. وما نفسه؟ كائن إن ضبطه العقل الحصيف حينا اجترته الشهوات والأهواء أحيانا 092 كثيرة فحسنت له ما يريد، وقبحت له ما يكره... وقد رأينا الشيوعيين والوجوديين يرسلون أحكامهم على الأشخاص والأشياء فرأينا الأعاجيب. بل سمعنا من إخوانهم الإباحيين أن هذه الأمة لن تنهض إلا إذا قلدت أوروبا فى "قاذوراتها" ونحن بعد ما بلونا القوم ما نظن أحدهم يتحرج عن إتيان أمه دون حياء، وتقديم زوجته للآخرين دون مبالاة. والغريب بعد هذا الكفر والفسوق أن يزعم هؤلاء أن لهم نصيبا من الكمال الخلقى والسلامة النفسية، وأن يرجموا الدين وأهله بالإفك والبهتان. ولنتجاوز هؤلاء وسيرهم الخاصة والعامة ولنتساءل: هل قضية الإيمان بالله من التفاهة والهوان بحيث يستوى فيها النفى والإثبات والشرك والتوحيد؟ هل هذه القضية من خفة الوزن بحيث لا يفترق فيها مؤمن وكافر ومصدق ومرتاب. إننا لو عرفنا عن رجل ما أنه يتصور الأرض مربعا لا كرة، أو يتصور مياه المحيطات عذبة لا ملحا فإننا نزرى بعقله، ونسخر من علمه. فإذا كان الخطأ فى فهم بعض الحقائق الدنيا له هذه القيمة، فيكف لا نكترث للخطأ الجسيم المتصل بالحقائق العليا؟ إننا إذا عرفنا عن رجل ما أنه جحد جميلا أسدى إليه أكننا له الضيق والاحتقار، فكيف بمن جحد نعماء الخلاق الرزاق وهو يتقلب فيها على أحيانه كلها من المهد إلى اللحد؟ والواقع أن القول بكمال نفسى عند أى شخص ملحد أكذوبة كبيرة لا تعنى إلا واحدا من أمرين فى نفس هذا القائل! إما أن الله غير موجود بالفعل، وبذلك لم يرتكب هذا الملحد شيئا يلام عليه. وإما أنه موجود حقا ولكن الجهالة والجحود ليسا رذائل تسقط المكانة. ونحن معشر المؤمنين نزدرى هذه الأفكار والأحكام، ونرى الإلحاد أس الدنايا، ونعد أهله شرار الخلق وجراثيم الفساد... وهناك صنف ناعم مائع يبدو كأنه محايد بإزاء هذه القضية الخطيرة، إنه لا يجنح لا إلى السلب ولا إلى الإيجاب. ربما قال لك إذا سألته: هل الله حق ولم هذا السؤال؟ وما جدوى الإجابة عليه؟ إن حياة الجماهير غير مرتبطة بهذه الإجابة. 093
صفحة ٨٢