ثم إن أحد أعيان الوقت من أئمة الدين، وجماعة من إخواني -رعاهم الله بتوفيقه- اقترحوا علي في أن ألخص لهم من الكتابين الصحيحين للإمامين المقدمين محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي أبي عبد الله، ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبي الحسين رضي الله عنهما، اللذين جعلهما الله تعالى علمين للناس منصوبين بنصحهما للأمة، وكشفهما للغمة= كتابا حاويا لذكر ما خرجا فيهما من الآثار؛ إذ سبرا من هذا الأمر ما لم يسبر غيرهما، واستبكراه، فجليا للناس ما عرفاه، وألغيا ما استنكراه، وليس لغيرهما ما لهما من السبق في ذلك، سبق إليه البخاري، وصلى مسلم، ومن قال لك: إن مثلثا تلاهما، فلا تصدقه.
ولقد صدق القائل إذ قال ثناء على البخاري: [من البسيط]
المسلمون بخير ما بقيت لهم ... وليس بعدك خير حين تفتقد
ونهج على سمته، ونسج على منوال نعته، وتوفر على الأخذ منه مسلم، فكان يقول له: يا أستاذ الأستاذين، ويا طبيب المحدثين.
واغتاص في استخراج ما قد اغتاص عليه بطريق أسهل، وإن كان المنهج الأول أولى وأجمل، وكلاهما قد أنصف وما اعتسف، وإنما حمت حول رموز سيقف عليها من أراد أن يخوض فيها، فيعتام وينعم النظر في الحديث كل الإنعام.
وقالوا لي: إنهما كتابان مشحونان بكثرة الطرق، موشحان بفروع الأسانيد الواسعة، وربما كرر فيهما حديث واحد في مواضع عدة، لا سيما في كتاب البخاري، وقد يحار في ذلك الناظر الذي لا عهد له بهذا الشأن فلا يضبطه، خصوصا في حق من لم يعتد ممارسته.
صفحة ٨