وقد قامت على المكلفين جميعا من لدن آدم، فصاحب الجزيرة غير معذور في الشرك ولا في جهل الفرائض ولو لم يسمع من أحد عندنا وإن كان على شريعة نبي عندما لم تصله الحجة بالنسخ أو بالزيادة، وقال بعض قومنا: يعذر في التوحيد إن لم يصله غيره.
وطرق العلم منحصرة في الحواس، والعقل هو المدرك للمحسات والمعقولات على الراجح خلافا لمن زعم أن المدرك للمحسات الحواس؛ لأن العلم هو حصول صورة الشيء في العقل فهو من قبيل الفعل، وهو التأثير وإيجاد الأثر، وقيل: حصوله صورته عند استعمال العقل، فهو من قبيل الانفعال وهو التأثير وقبول الأثر. فحصول الشيء فعل وتولده من فعل الانفعال وبيان هذا المحل موضحا في شرحي على المعالم، وقيل:الصورة الحاصلة، فهو من قبيل الكيف والعقل كالملك الجالس في خلوة مثلا لها طاقات وهي الحواس، فإن فتح الطاقات أدرك و إلا فلا، وقيل: توصل إليه الحواس وتطرق إليه بما أحسته.
وقال القرافي: قيل الحواس مع العقل كالحجاب مع الملك فهي تدرك أولا ويحصل لها اعلم ثم تؤدي ما علمته للنفس فيحكم عليها، وتقول: كلما كان كذا فهو كذا في كذا كالخدم للعقل؛ أي فلو لم يحضر العقل لشغل أو نوم أو سكر أو نحو ذلك لكانت مدركة لذلك دون العقل، وهذه الدعوى لها دليل عليها.
وقيل: بل الحواس طاقات قابلة كل طاقة قبيل من المدركات لا يوجد إلا هناك.
* ويدل على الأول أن البهائم لا عقل لها وهي تدرك بحواسها، وفيه أن لها عقلا دون عقل الصبي أو مثله لا يتعلق به التكليف، والمصنف في الأثر عنها عقد التكليف.
* وعلى الثاني أن الإنسان إذا قام وفتحت عينه لا يدرك شيئا، وكذا المجنون أهم ذكر ذكر ذلك في باب الحجة؛ ولذا قال: كلما كان كذا الخ، والخلاف في مجرد الإدراك.
كذلك كلما علمت وإنما تنال المعرفة بالحواس، وقيل: والمعرفة إما علم ما أدركته الحواس، أو علم ما دل عليه ما أدركته وهو واسطة.
صفحة ١١