أما مؤلّف الكتاب (١) فَعلَمٌ من أعلام المسلمين، وعالم عمّت شهرتُه، وذاع صِيتُه، لِما ألّف في الفنون والعلوم، وشاركَ في الحياة، وترك من الآثار. وإذا عُدّ المكثرون من المُصنّفين في تاريخ العربية، كان من المتصدّرين، بل إنّه لا يضاهيه أو يقاربه في عدد مؤلّفاته، وتنوّعها، وأهميتها، إلا قليل من العلماء.
وأبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد، ابن الجوزي (٢)، يرجع نسبه إلى الصدّيق أبي بكر، وقد وُلِد في بغداد سنة عشر وخمسمائة للهجرة تقريبًا. وتوفّي والده وهو في الثالثة من عمره، فرَعَته عمّتُه - وكانت امرأة صالحة، فحملته إلى مسجد أبي الفضل محمَّد بن ناصر السُّلامي، الذي اعتنى به.
قرأ ابن الجوزيّ القرآن، وروى الحديث، وتفقّه، وتعلّم مختلف الفنون والمعارف على عدد كبير من علماء العصر. وقد أفاضت كتب التراجم بذكر أسماء شيوخه، وذكر هو في "مشيخته" أكثر من ثمانين منهم، كما ذكر غيرهم في مؤلّفاته الأُخر.
_________
(١) لأبي الفرج، ابن الجوزي ترجمة وأخبار وافرة في عددٍ كبير من المصادر. وقد أفدت في هذا الحديث المختصر من:
* المختصر المحتاج إليه من تاريخ بغداد - لتلميذه ابن الدبيثي (٦٣٩ هـ) ٢/ ٢٠٥.
* مرآة الزمان - لسبطه وتلميذه يوسف بن قزغلي (٦٥٤ هـ) ٨/ ٤٨١.
* التكملة ووفيات النقلة - للمنذري (٦٥٦ هـ) ١/ ٣٩٤.
* وفيات الأعيان - لابن خلّكان (٦٨٠ هـ) ٣/ ١٤٠.
* الوافي بالوفيات - للصفدي (٧٦٤ هـ) ١٨/ ١٠٩.
* البداية والنهاية - لابن كثير (٧٧٤ هـ) ١٣/ ٢٨.
* سير أعلام النبلاء - للذهبي (٧٨٤ هـ) ٢١/ ٣٦٥.
* ذيل طبقات الحنابلة - لابن رجب (٧٩٥ هـ) ١/ ٣٩٩.
* طبقات الحفّاظ - للسيوطي (٩١١ هـ) ٤٨٠.
* طبقات المفسّرين - للداودي (٩٤٥ هـ) ١/ ٢٧٥.
وما بعدها من الصفحات.
وكتب المحدثون دراسات كثيرة عن ابن الجوزيّ، ومؤلّفاته. وقدّم المحقّقون لكتبه حديثًا مستفيضًا عنه.
(٢) في سبب هذه التسمية أقوال: أشهرها أنَّه لُقِّبَ به جدّه لجَوزة كانت في بيته في الموصل، أو نسبة إلى فُرضة -وهي الثُّلْمة على شاطئ النهر يُستقَى منها- تسمَى فُرضة الجوزة.
مقدمة / 9