أما منهج التحقيق الذي سلكتُه في الكتاب فإنني أقدّم له بالقول:
إنّ أهم ما يسعى إليه المحقّق، أن يقدّم الكتاب المُحقّق بصورة أقربَ ما تكون إلى ما وضعَه عليه مؤلّفُه، وأراد أن يراه الناس به، ويكون ذلك في أحسن هيئةٍ تُيَسّر للقارىء الإفادة منه.
ولتحقيق الغرض الأوّل كان السعي إلى جمع مخطوطات الكتاب -ما عُرف منها- والمقابلة بين ما له أكثر من نسخة، ومراجعة كلّ حديث من الأحاديث على الأصل المأخوذ منه: الكتب الأربعة وغيرها.
ولما كانت المخطوطات تعرض الحديث مختلفًا أحيانًا عن المصدر، فإنّ المحقّق أمام احتمالات: أهذا من عمل المؤلّف ومقصده، أن يحذف أو يختصر أو يقدّم ويؤخّر، أو أن النسخة التي اعتمدَ عليها فيها هذا العمل، أو أن يكون ذلك سهوًا منه أو من نسّاخ الكتاب؟ ثم هل يُترك الأمر على ما هو عليه، أو يُستدرك؟ وفي الحالة الثانية يقال: إنَّ هذا ليس من عمل المحقّق، وإنّه تدخّل غير لائق، وتصرّف ممّن لا يملك هذا الحقّ.
والحال كذلك، فإنّني -وهو المنهج الذي أسلكه في تحقيقي، وأختاره في أعمالي- أفرّق بين نوعين من هذا التغيير والتصرّف:
فإذا كان التغيير في السند مثلًا، وكان هذا التغيير يُخلّ به، بإسقاط أحد رجاله، فإن هذا لا يجوز إبقاؤه بحال، سواء أكان هذا من عمل المؤلّف - خطأ بالتأكيد، أو من سهو. النسّاخ، لأنَّ مثل هذا يُتلف السند ويفسده. أما إذا كان التصرّف في السند بحذف كنية أو لقب، أو تغيير اسم بكنية، أو تكملة اسم مثلًا، فإن مثل هذا لا ضرر فيه ولا إخلال، فتركه كما هو، واجبٌ على المحقق، فإن أراد أن ينبّه أو يعلّق فله ذلك خارج النصّ.
وإذا كان التغيير والتصرّف في نصّ الحديث، فالأمر كذلك: أيؤثّر هذا التعديل -من المؤلّف أو النسّاخ- على النّصّ أم لا؟ فإن كان فيه إخلال بالمعنى، أو إلباس على الفهم، فالاستدراك والتتميم لازمان، وإلا فترك الحال على ما هو عليه أفضل، وللمحقّق أيضًا أن ينبّه كما يريد، فالحواشي مِلكُه، والنّصّ مُقَيِّد له.
وأمر آخر، هو أنني ألتزم بعبارات ومنهاج المؤلّف في سرد سنده، والتقيّد بعبارات التحديث والإخبار والإنباء، ما اتّفقت عليها النسخ، أو كانت واضحة، ولو خالفت المصدر
مقدمة / 39