ونشير هنا إلى مسألة مرتبطة بما سبق، وهي أنّه قد لا يذكر الطريق أو الرواية الأخرى، ولكنّ يُنَبه على اختلاف الروايات، أو الألفاظ:
(٤٤٤٣) "وبيده الأخرى القبض" قال: وفي بعض الألفاظ: "القبض أو الفيض. . .".
(٤٤٥٣) "لا أزال أقاتل الناس حتى. . ." وفي بعض الألفاظ: "أُمرتُ أن أقاتلَ. . .".
(٤٤٧٠) "لا يَقُلْ أحدُكم للعنب الكرم، فإنّما الكرم الرجلُ المسلم" قال: وفي لفظ: "فإنّما الكرم قلب المؤمن".
(٤٥٤٨) "انتقص من أجره كلَّ يوم قيراط" وفي لفظ: "قيراطان". . .
* * * *
أما كيف يختار المؤلّف من هذه المصادر؟ وما معايير الرواية الأتمّ والأكمل؟ فإنّني لا أتردد في القول إن صاحبنا لم يلتزم بما قدّم، ولما يأخذ بما رسم، ولم يفِ بما وعد.
إنّ أبا الفرج من أئمّة الحنابلة، ومن أنصار المذهب - وإنْ غمز بعضهم فيه. وإجلال المسلمين للإمام أحمد، وتقديرهم للمسند لا خلاف فيه. والاتّفاق قائمٌ على أنّ في المسند تكرارًا، وفيه أحاديث كثيرة في غير مواضعها، والكلام في ما يحويه المسند من أحاديث غير صحيحة: كمّها، ودرجة الضعف فيها، مشهور بين العلماء. والأمل كان يراود العلماء على مرّ العصور، أن يُقَيِّضَ اللَّه تعالى للمسند من يرتّبه، ويحذف مكرّره، ويحكم على أحاديثه.
وكأنّي بالمؤلّف قد وضع نصب عينيه المسند، يسعى إلى أن يقدّم ما يُرجى له، ويدفع عنه ما فيه، فأحاديث الصحابيّ التي تكون في أكثر من موضع يريد أن يجمعَها في موضع واحد، والحديث الذي يتكرّر دون زيادة أو فائدة، إما لاختلاف شيخ أحمد، أو أحد رواته، يحاول حذفه. وإذا رَبَطَ هذه الأحاديث بالصحيحين، فإنّ في ذلك تقويةً لها، ورفعًا من شأن المسند وصاحبه. والشكوى التي أشار إليها في المقدّمة من أصحابه، كأنّها تعبِّر عن ابن الجوزي نفسه ورغبته.
فكم حديثٍ في الكتاب رواه عن المسند، وعند الشيخين والترمذي رواية قريبة منه، أو أتمّ وأكمل، ونظرة سريعة في الكتاب تظهر ذلك. والمؤلّف إذا روى حديثًا عن البخاري
مقدمة / 18