أقول: لا مناقضة بين ما ذكره الأزرقى والقاضى عز الدين فى ذرع المقام، ويمكن الجمع بأن ذرع الأزرقى كان باليد وذرع القاضى عز الدين بالذراع الحديد حسبما تقدم، وبين ذراع اليد والحديد فرق نحو ثمن أو قريب منه بحسب الأشخاص فتأمل. انتهى.
وأخرج الأزرقى أيضا أن السيول كانت تدخل المسجد الحرام فربما رفعت المقام عن موضعه حتى جاء سيل أم نهشل الذى ماتت فيه فاحتمل المقام فذهب به فوجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة فى وجهها، وكتب بذلك إلى عمر فأقبل فزعا فدخل معتمرا فى رمضان وقد عفا السيل موضع المقام فدعا الناس وسألهم عن موضعه، فقال المطلب ابن أبى وداعة: عندى علم ذلك، كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن وإلى باب الحجر وإلى زمزم بميقاط وهو عندى فى البيت، فقال له عمر: اجلس عندى وأرسل إليها فأرسل المطلب فأتى بها فوجدها عمر كما قال، فشاور الناس عمر واستثبت فقالوا: هذا موضعه فأمر بإحكام ربطه تحته ثم حوله فهو فى مكانه إلى هذا اليوم (1) انتهى بمعناه.
ومكانه هذا هو مكانه فى زمن الخليل (عليه السلام) كما نقله الإمام مالك فى «المدونة» ثم قال: وكانت قريش فى الجاهلية ألصقته بالبيت خوفا عليه من السيول، واستمر كذلك فى عهده (صلى الله عليه وسلم) وعهد أبى بكر رضى الله عنه، فلما ولى عمر رضى الله عنه رده إلى موضعه الآن كما سمعت. انتهى.
وأخرج الأزرقى عن ابن أبى مليكة أنه قال: موضع المقام هذا الذى هو فيه اليوم هو موضعه فى الجاهلية وفى عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما إلا أن السيل ذهب به فى خلافة عمر ثم رد وجعل فى وجهة الكعبة حتى قدم عمر فرده (2). وفى هذا مناقضة لما قاله مالك رضى الله عنه فى «المدونة» والله أعلم بالحقائق.
وصحح ابن جماعة ما قاله مالك. ويروى أن رجلا يهوديا أو نصرانيا كان بمكة يقال له جريج فأسلم، ففقد المقام ذات ليلة فوجد عنده، أراد أن يخرجه إلى ملك الروم، فأخذ منه ثم قتل (3).
صفحة ٣٦