الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون
[البقرة: 3] حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { للمتقين } قال: المؤمنين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتي. وأولى التأويلات بقول الله جل ثناؤه: { هدى للمتقين } تأويل من وصف القوم بأنهم الذين اتقوا الله تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه، فتجنبوا معاصيه واتقوه فيما أمرهم به من فرائضه فأطاعوه بأدائها. وذلك أن الله عز وجل إنما وصفهم بالتقوى فلم يحصر تقواهم إياه على بعضها من أهل منهم دون بعض. فليس لأحد من الناس أن يحصر معنى ذلك على وصفهم بشيء من تقوى الله عز وجل دون شيء إلا بحجة يجب التسليم لها، لأن ذلك من صفة القوم لو كان محصورا على خاص من معاني التقوى دون العام منها لم يدع الله جل ثناؤه بيان ذلك لعباده، إما في كتابه، وإما على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن في العقل دليل على استحالة وصفهم بعموم التقوى. فقد تبين إذا بذلك فساد قول من زعم أن تأويل ذلك إنما هو: الذين اتقوا الشرك وبرءوا من النفاق لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق غير مستحق أن يكون من المتقين. إلا أن يكون عند قائل هذا القول معنى النفاق ركوب الفواحش التي حرمها الله جل ثناؤه وتضييع فرائضه التي فرضها عليه، فإن جماعة من أهل العلم قد كانت تسمي من كان يفعل ذلك منافقا، فيكون وإن كان مخالفا في تسميته من كان كذلك بهذا الاسم مصيبا تأويل قول الله عز وجل للمتقين.
[2.3]
حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { الذين يؤمنون } قال: يصدقون. حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي إبن أبي طلحة، عن ابن عباس: { يؤمنون } يصدقون. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { يؤمنون } يخشون. حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر، قال: قال الزهري: الإيمان: العمل. وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن العلاء بن المسيب بن رافع، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد الله، قال: الإيمان: التصديق. ومعنى الإيمان عند العرب: التصديق، فيدعى المصدق بالشيء قولا مؤمنا به، ويدعى المصدق قوله بفعله مؤمنا. ومن ذلك قول الله جل ثناؤه:
ومآ أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين
[يوسف: 17] يعني: وما أنت بمصدق لنا في قولنا. وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل. والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الآية وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفين بالتصديق بالغيب، قولا، واعتقادا، وعملا، إذ كان جل ثناؤه لم يحصرهم من معنى الإيمان على معنى دون معنى، بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيء من معانية أخرجه من صفتهم بخبر ولا عقل. القول في تأويل قوله تعالى: { بالغيب }. حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: بالغيب قال: بما جاء به، يعني من الله جل ثناؤه. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم: بالغيب أما الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار، وما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك يعني المؤمنين من العرب من قبل أصل كتاب أو علم كان عندهم. حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان عن عاصم، عن زر، قال: الغيب: القرآن. حدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: { يؤمنون بالغيب } قال: آمنوا بالجنة والنار والبعث بعد الموت وبيوم القيامة، وكل هذا غيب.
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: { يؤمنون بالغيب }: آمنوا بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا كله غيب. وأصل الغيب: كل ما غاب عنك من شيء، وهو من قولك: غاب فلان يغيب غيبا. وقد اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أنزل الله جل ثناؤه هاتين الآيتين من أول هذه السورة فيهم، وفي نعتهم وصفتهم التي وصفهم بها من إيمانهم بالغيب، وسائر المعاني التي حوتها الآيتان من صفاتهم غيره. فقال بعضهم: هم مؤمنوا العرب خاصة، دون غيرهم من مؤمني أهل الكتاب. واستدلوا على صحة قولهم ذلك وحقيقة تأويلهم بالآية التي تتلو هاتين الآيتين، وهو قول الله عز وجل:
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
[البقرة: 4] قالوا: فلم يكن للعرب كتاب قبل الكتاب الذي أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم تدين بتصديقه والإقرار والعمل به، وإنما كان الكتاب لأهل الكتابين غيرها. قالوا: فلما قص الله عز وجل نبأ الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد وما أنزل من قبله بعد اقتصاصه نبأ المؤمنين بالغيب، علمنا أن كل صنف منهم غير الصنف الآخر، وأن المؤمنين بالغيب نوع غير النوع المصدق بالكتابين اللذين أحدهما منزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والآخر منهما على من قبله من رسل الله تعالى ذكره. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلنا من أن تأويل قول الله تعالى: { الذين يؤمنون بالغيب } إنما هم الذين يؤمنون بما غاب عنهم من الجنة والنار والثواب والعقاب والبعث، والتصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما كانت العرب لا تدين به في جاهليتها، بما أوجب الله جل ثناؤه على عباده الدينونة به دون غيرهم. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أما: رالذين يؤمنون بالغيب } فهم المؤمنون من العرب، { ويقيمون الصلوة ومما رزقنهم ينفقون } أما الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار، وما ذكر الله في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتاب أو علم كان عندهم.
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالأخرة هم يوقنون
صفحة غير معروفة