جامع البيان في تفسير القرآن
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
[البقرة: 185] فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر. وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا، فتأويل الآية: كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات، هي شهر رمضان. وجائز أيضا أن يكون معناه:
كتب عليكم الصيام
[البقرة: 183]: كتب عليكم شهر رمضان. وأما المعدودات: فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها، ويعني بقوله معدودات: محصيات. القول في تأويل قوله تعالى: { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. يعني بقوله جل ثناؤه: من كان منكم مريضا ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر. يقول: فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر، يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره. والرفع في قوله: { فعدة من أيام أخر } نظير الرفع في قوله: { فاتباع بالمعروف } وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته. وأما قوله: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فإن قراءة كافة المسلمين: { وعلى الذين يطيقونه } وعلى ذلك خطوط مصاحفهم، وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن.
وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه: «وعلى الذين يطوقونه». ثم اختلف قراء ذلك: { وعلى الذين يطيقونه } في معناه، فقال بعضهم: كان ذلك في أول ما فرض الصوم، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء، وإن شاء أفطره وافتدى، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا حتى نسخ ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان، فأنزل الله تعالى ذكره:
يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
[البقرة: 183] حتى بلغ: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا. ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم، فأنزل الله عز وجل: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر }... إلى آخر الآية». حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: حدثنا أصحابنا
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة، قال: ثم نزل صيام رمضان، قال: وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام، قال: وكان يشتد عليهم الصوم، قال: فكان من لم يصم أطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فكانت الرخصة للمريض والمسافر، وأمرنا بالصيام "
قال محمد بن المثنى: قوله قال عمرو، حدثنا أصحابنا: يريد ابن أبي ليلى، كأن ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه. حدثنا ابن حميد،قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة في قوله: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال: كان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا، فنسخها
شهر رمضان
صفحة غير معروفة