بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ضمن النصرة لناصريه، وأعان على الحق بتوفيقه متبعيه، وخذل من عند عن دينه وألحد فيه، وصلواته على صفوته من خلقه ومجتبيه، محمد وآله المخصوصين بالطهارة والتنزيه، أيدك الله بتوفيقه سألت أن أورد لك ذكر الاختلاف بين أهل القبلة في حديث الفتنة بالبصرة، وما كان بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبين عائشة وطلحة والزبير من الحرب المهولة والقتال، ومذهب كل فريق من الأمة فيه على شرح له وبيان، وإثبات سبب هذه الفتنة والأخبار التي جاءت فيما جرى بين القوم، من القتال والفعال. فإن كل كتاب صنف في هذا الفن قد تضمن أخبارا تلتبس معانيها على جمهور الناس ولم يأت أحد من المصنفين بذكر الحرب في هذه الفتنة على الترتيب والنظام بل خلطوا الأخبار فيها خلطا لم يحصل معه تصور الخلل فيما كان بين الجميع منه على الظهور والتبيان للذي جاء. فقد جمعت لك أيدك الله كلما صدر عنهم، وأثبت في هذا الكتاب برهانا يفضي الناظر فيه إلى صحة الاعتقاد في أحكام القوم بأسمائهم بأعمالهم وما فيها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والتبين والضلال. لتعلم وفقك الله
صفحة ١٨
بالنظر والاعتبار وتخرج بذلك من التقليد الموبق لصاحبه ولتظفر بالحق ويزول عنك الاشتباه الذي التبس عليك أمره فيما كان هناك وأجبتك إلى ما سألت معتصما بالله عز وجل وسائلا لك التوفيق والرشاد وبالله أستعين.
(القول في اختلاف الأمة) في فتنة الجمل وأحكام القتال فيها:
أما المتولون للقتال في هذه الفتنة فقد أنبأنا عملهم فيها عن اعتقادهم ودلت ظواهرهم في ذلك على بواطنهم فيه إذ العلم يحيط بأن أمير المؤمنين عليا (ع) وولده وأهله من بني هاشم وأتباعه من المهاجرين والأنصار وغيرهم من المؤمنين لم يسلكوا فيما باشروه من الحرب وسعوا فيه من القتل واستباحة الدماء طريق المجرمين، لذلك الطالبين به العاجل، والتاركين به ثواب الآجل، بل كان ظاهرهم في ذلك، والمعلوم من حالهم، وقصدهم التدين والقربة إلى الله تعالى بعملهم، والاجتهاد فيه وأن تركه والإعراض عنه موبق من الأعمال والتقصير فيه موجب لاستحقاق العقاب.
ألا ترى إلى ما اشتهر من قول أمير المؤمنين (ع) وقد سئل عن قتاله للقوم (لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله).
وقول عمار بن ياسر رحمه الله: أيها الناس والله ما أسلموا ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا له أعوانا أظهروه (1) في أمثال هذين القولين من جماعة جلة من شيعة أمير المؤمنين (ع) يطول بشرحها الكتاب فهم يلائم معاني كلامهم في ذلك ظواهر فعالهم. والمعلوم من قصودهم وهذا ما لا مزيد فيه بين العلماء، وإنما يشتبه الأمر فيه على الجهلاء الذين لم يسمعوا الأخبار، ولا اعتبروا بتأمل الآثار.
وكذلك الأمر محيط بأن ظاهر عائشة وطلحة والزبير وكثير ممن
صفحة ١٩
كان في حيزهم التدين بقتال أمير المؤمنين (ع) وأنصاره والقربة إلى الله سبحانه وتعالى في استفراغ الجهد فيه، وإنهم كانوا يريدون على ما زعموا وجه الله والطلب بدم الخليفة المظلوم عندهم، المقتول بغير حق وإنهم لا يسعهم فيما أضمروه في اعتقادهم إلا الذي فعلوه، فوضح من ذلك أن كلا من الفريقين يصوب رأيه فيما فعل ويخطئ صاحبه فيما صنع ويشهد لنفسه بالنجاة ويشهد على صاحبه بالضلال والهلاك.
إلا أن أمير المؤمنين (ع) صريح بالحكم على محاربيه ووسمهم بالغدر والنكث، وأخيرا أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بقتالهم وفرض عليه جهادهم ولم يحفظ عن محاربيه فيه شئ ولا سمة له بمثل ذلك وإن كان المعلوم من رأيهم التخطئة له في القتال، والحكم عليه في بقائه على الأمر والامتناع من رده شورى بينهم وتسليمه قتلة عثمان إليهم بالزلل عن الحق الواجب عندهم والصواب.
وكان مذهب سعد بن مالك بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد ابن مسلمة الأنصاري، وأسامة بن زيد وأمثالهم ممن رأى القعود عن الحرب والتبديع لمن تولاها والحكم على أمير المؤمنين (ع) والحسن والحسين ومحمد بن علي (ع) وجميع ولد أبي طالب وكافة أتباع أمير المؤمنين من بني هاشم والمهاجرين والأنصار والمتدينين بنصرته المتبعين له على رأيه في الجهاد، بالضلال والخطأ، في المقال والفعال، والتبديع لهم في ذلك على كل حال.
وكذلك كان مذهبهم في عائشة وطلحة والزبير ومن كان على رأيهم في قتال أمير المؤمنين (ع) وإنهم بذلك ضلال عن الحق عادلون عن الصواب، مبدعون في استحلال دماء أهل الإسلام، ولم يحفظ عنهم في الطائفتين ولا في إحديهما تسمية بالفسوق ولا إخراجهم بما تولوه من الحرب والقتال عن الإيمان.
صفحة ٢٠
اختلاف الفرق:
(فصل) الخلاف بعد النبي الذي حكيناه عن السلف في الفتنة المذكورة قد تشعب وزاد على ما أثبتناه عمن سميناه في الخلاف، فقالت العالمة الحشوية المنتسبة إلى السنة على ما زعموا في ذلك أقاويل مشهورة وذهبوا مذاهب ظهرت عنهم مذكورة.
فمنهم طائفة اتبعت رأي سعد بن أبي وقاص وشركائه المعتزلة عن الفريقين ومذهبهم في إنكار القتال وحكموا بالخطأ على أمير المؤمنين والحسن والحسين ومحمد بن علي وابن عباس وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي أيوب الأنصاري وأبي الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر وقيس بن سعد بن عبادة وأمثالهم من وجوه المهاجرين ونقباء الأنصار. وعلى عائشة وطلحة والزبير وجميع من اتبعهم في الحرب واستحل معهم القتال، وشهدوا عليهم جميعا فيما صنعوه بالزلل عن الصواب، ووقفوا فيهم مع ذلك ولم يقطعوا لهم بعقاب، ورجوا لهم الرحمة والغفران، وكان الرجاء لهم في ذلك أقوى عندهم من الخوف عليهم من العقاب.
وقالت فرقة منهم أخرى بتخطئة الجميع كما قالت الأولى منهم في ذلك وقطعوا على أن أمير المؤمنين والحسن والحسين وابن عباس وعمار بن ياسر وخزيمة ذي الشهادتين إن كانوا قد زلوا بالقتال وسفك الدماء فإنه مغفور لهم ذلك، لما قدموا من عظيم طاعتهم لله تعالى وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبتهم له، مواساتهم إياه.
وكذلك قولهم في عائشة، وطلحة والزبير ومن شركهم في القتال ممن له صحبة وسالف جهاد.
صفحة ٢١
وأما من سوى الصحابة بين الفريقين منهم بقتالهم واستحلالهم الدماء فمن أهل النار، وحكوا عن بعض مشيختهم وأئمتهم في الدين إنه كان يقول نجت القادة وهلك الأتباع، وفرقوا بين الصحابي في ذلك وغيره بحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لبعض المسلمين ممن أدركه ولم يكن له صحبته وقد سامى رجلا من الصحابة: إياكم وأصحابي لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدى أحدهم ولا نصفه وقالت فرقة أخرى منهم لا ينبغي لأحد أن يخوض في ذكر الصحابة وما جرى بينهم من تنازع واختلاف وتباين وقتال ولا يتعرض بالنظر في ذلك ولا الفكر فيه ويعرض عنه جانبا، وأن استطاع أن لا يسمع شيئا من الأخبار الواردة به فيفعل، فإنه إن خالف هذه الوصاة وأصغى إلى الخبر باختلاف الصحابة أو تكلم بحرف واحد، وتبرع بالحكم عليهم بشئ يشين المسلم فقد أبدع في الدين، وخالف الشرع، وعدل عن قول النبي ولم يحذر مما حذره منه بقوله صلى الله عليه وآله إياكم وما سيجري بين الصحابة.
وزعموا أن الرواية بذكر أخبار السقيفة، ومقتل عثمان والجمل وصفين بدعة، والتصنيف في ذلك ضلال، أو الاستماع إلى شئ من ذلك يكسب الآثام.
وهذه فرقة مستضعفة من الحشوية يميل إلى قولها جمع كبير ممن شاهدناه من العامة ويدعوا إليه المتظاهرون بالورع والزهد، والصمت وطلب السلامة، وحفظ اللسان، وهم بذلك بعداء عن العلم وأهله، جهال أغمار.
وقالت فرقة من العامة تختص بمذاهب الحشوية غير أنها تتعاطى النظر، وتدعى المعرفة بالفقه وتزعم أنها من أهل الاعتبار، إن علي ابن أبي طالب (ع) ومن كان في حيزه من المهاجرين والأنصار
صفحة ٢٢
وسائر الناس، وعائشة وطلحة والزبير وأتباعه جميعا معا كانوا على صواب فيما انتهوا إليه من التباين والاختلاف والحرب والقتال وسفك الدماء، وضرب الرقاب، فإن فرضهم الذي يعين عليهم من طريق الاجتهاد هو ذلك بعينه دون سواه، لم يخرجوا بشئ منه عن طاعة الله ولا دخلوا به في شئ منه إلا أنهم كانوا على الهدى والصواب، ولو قصروا عنه مع الاجتهاد المؤدي لهم إليه; لضلوا عن الحق، وخالفوا السبيل والرشاد.
وزعموا أن إنهم كانوا جميعا مع الحال التي انتهوا إليها من سفك الدماء; وقتل النفوس; والخروج عن الأموال والديار على أتم مصافاة ومودة وموالات، ومخالصة في الضماير والنيات; واستدلوا على ذلك وزعموا بأن قالوا وجدنا كل فريق من الفريقين متعلقا بحجة تعذره فيما أتاه وتوجب عليه العمل بما صنع، وذلك أن علي بن أبي طالب كان مذهبه تحريم قتل الجماعة بالواحد وإن اشتركوا في قتله معا وهو مذهب مشهور من مذاهب أصحاب الاجتهاد; ولم يثبت عنده أيضا إن المعروفين بقتل عثمان تولوا على ما ادعى عليهم من ذلك فلم يسعه تسليم القوم إلى من التمسهم منه ليقتلوهم بعثمان; ووجب عليه (ع) في اجتهاده الدفاع عنهم بكل حال، وكان مذهب عائشة وطلحة والزبير قود الجماعة بالواحد من الناس; وهو مذهب ابن عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة وجماعة من التابعين; وبه دان جماعة من الفقهاء وأصحاب الاجتهاد، وثبت عندهم أن الجماعة يقتلون بالرجس الواحد وأن أمير المؤمنين لم يسلمهم ليقتلوهم بعثمان، وأن الناس تولوا قتله واشتركوا في دمه; وكان إماما مرضيا عندهم; قتل بغير حق; فلم يسعهم ترك المطالبة بدمه; والاستفادة من قاتله وبذل الجهد في ذلك; فاختلف الفريقان في ذلك لما ذكروه من الاجتهاد; وعمل كل فريق منهم على رأيه وكان
صفحة ٢٣
بذلك مأجورا وعند الله مشكورا; وإن كانوا قد سفكوا فيه الدماء وبذلوا فيه الأموال وهذا مذهب جماعة قد شاهدتهم وكلمتهم وهم في وقتنا هذا خلق كثير وجم غفير.
وممن كلمتهم فيه من مشيخة أصحاب المخلوق المعروف بأبي بكر التمار الملقب بدرزان وكان في وقته شيخ أصحاب عبد الله بن سعيد بن كلاب أكبرهم سنا; وأشدهم تقدما في مجالس الكلام; ومنهم محارب الصيدياني المكنى بابن العلاء خليفة أبي السائبة في القضاء. ومنهم المعروف بالوشعي; ومن بعدهم المكنى بأبي عبد الله المعروف بابن مجاهد البصري الأشعري صاحب الباهلي تلميذ علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري ومنهم المعروف بأبي بكر بن الطيب المعروف بابن الباقلاني ومنهم أبو العباس بن الحسين بن أبي عمر القاضي وجميع من سميت ممن جاريته في هذا الباب من أصحاب المخلوق، وبعضهم كلابية وبعضهم أشعرية وإليه يذهب في وقتنا هذا جمهور أصحاب الشافعي ببغداد والبصرة وخوزستان وبلاد فارس وخراسان وغيرها من الأمصار; لا أعرف شافعيا له ذكر في قومه ويذهب إلى هذا المذهب ليبعد به عن قول الشيعة; وأهل الاعتزال.
رأي المعتزلة:
واختلف في ذلك المعتزلة أيضا كاختلاف الحشوية; فقال إماماهم المقدمان وشيخاهم المعظمان اللذان هما أصلان للاعتزال، وافتتحا لمعتقديه فيه الكلام وهم فخر الجماعة منهم وجمالهم الذي لا يعدلوا عندهم سواه واصل بن عطاء الغزال; وعمرو بن عبيد بن باب المكاري (1) إن
صفحة ٢٤
أحد الفريقين ضال في البصرة مضل فاسق خارج من الإيمان والإسلام ملعون مستحق الخلود في النار، والفريق الآخر هاد مهدي، مصيب مستحق للثواب والخلود في الجنان غير أنهم زعموا أن لا دليل على تعيين الفريق الضال ولا برهان على المهدي ولا بينة نتوصل بها إلى تمييز أحدهما من الآخر في ذلك بحال من الأحوال.
وأنه لا يجوز أن يكون علي بن أبي طالب (ع) والحسن والحسين ومحمد بن علي وعبد الله وقثم والفضل وعبيد الله بنو العباس وعبد الله ابن جعفر الطيار وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان وكافة شيعة علي (ع) وأتباعه من المهاجرين والأنصار وأهل بدر وبيعة الرضوان وأهل الدين المتحيزين إليه والمحققين بسمة الإسلام هم الفريق الضال، والفاسق الباغي الخارج عن الإيمان والإسلام والعدو لله والبرئ من دينه الملعون المستحق للخلود في النار.
وتكون عائشة وطلحة والزبير والحكم بن أبي العاص ومروان ابنه وعبد الله بن أبي سرح والوليد بن عقبة وعبد الله بن عامر بن كريز ابن عبد شمس ومن كان في حيزهم من أهل البصرة هم الفريق المهدى الموفق إلى الله المصيب في حربه المستحق للإعظام والإجلال والخلود في الجنان.
قالا جميعا نعم ما ننكر ذلك ولا نؤمن به إذ لا دليل يمنع من الحكم
صفحة ٢٥
به على ما ذكرناه بحل وكما أن قولنا ذلك في علي وأصحابه فكذلك هو في الفريق الآخر فإنا لسنا ننكر أنهم وأتباعهم على السوء ولسنا ننكر أن يكونوا هم الفريق الضال الملعون، العدو لله البرئ من دينه، المستحق للخلود في النار، وأن يكون علي (ع) وأصحابه هم الفريق الهادي المهتدي الولي لله في سبيله; المستحق بقتاله عائشة وطلحة والزبير وقتل من قتل منهم الجنة وعظيم الثواب.
قالا ومنزلة الفريقين منزلة المتلاعنين فيهما فاسق لا يعلمه على التميز له والتعيين إلا الله عز وجل.
وهذه مقالة مشهورة عن هذين الرجلين قد سطرها الجاحظ عنهما في كتابه الموسوم (بفضيلة المعتزلة) وحكاها أصحاب المقالات عنهما ولم يختلف العلماء في صحتها عن الرجلين المذكورين وأنهما خرجا من الدنيا على التدين بها والاعتقاد لها بلا ارتياب.
وحكى ابن يحيى أن أبا الهذيل العلاف كان على هذا المذهب في أمير المؤمنين (ع) وعائشة وطلحة والزبير متبعا فيه إمامية المذكورين ولم يزل عليه إلى أن مات قال شيخ المعتزلة أيضا ومتكلميها في الفقه وأحكام الشريعة على أصولها الأصم المكنى بأبي بكر الملقب بحريال أنا أقف في كل فريق من الفريقين فلا أحكم له بهدى ولا ضلال ولا أقطع على أحدهما بشئ من ذلك في التفصيل ولا الإجمال ولكني أقول أن كان علي بن أبي طالب (ع) قصد بحرب عائشة وطلحة والزبير كف الفساد ومنع الفتنة في الأرض ودفعهم عن التغلب على الأمر والعدوان على العباد فإنه مصيب مأجور، وإن كان أراد بذلك الجبرية والاستبداد بالأمر بغير مشورة من العلماء بل ليتأمر على الناس بالقهر لهم على ذلك والأضرار فهو ضال مضل من أهل النار; قال وإنما قلت ذلك لخفاء الأمر لي فيه واستتار النيات في معناه واشتباه أسباب الباطل فيه باستتار الحق عند العقلاء
صفحة ٢٦
قال وكذلك قولي في الفريق الآخر، أقول إن عايشة وطلحة والزبير إن كانوا قصدوا بقتالهم علي بن أبي طالب (ع) وأصحابه منعه من الاستبداد بالأمر من دون رضى العلماء به، وأرادوا الطلب بدم عثمان والاقتصاص له من ظالميه برد الأمر شورى ليختار المسلمون من يرون فهم بذلك هداة أبرار مستحقون للثواب وإن كانوا أرادوا بذلك الدنيا والعصبية والإفساد في الأمر وتولى الأمر بغير رضى العلماء فهم بذلك ضلال مستحقون اللعنة والخلود في النار غير أنه لا دليل لي على أعراضهم فيه ولا حجة تظهر في معناه من أعمالهم ولذلك وقف فيهم كما وقفت في علي وأصحابه كما بينت. وإن كان طلحة والزبير أحسن حالا من علي فيما أتاه.
. وقال هشام القوطي وصاحبه عباد بن سليمان الصيمري، وهذان الرجلان من أئمة المعتزلة أيضا أن عليا وطلحة والزبير وعائشة في جماعة من أتباع الفريقين كانوا على حق وهدى وصواب وكان الباقون من أصحابهم على ضلال وبوار وذلك أن عائشة وطلحة والزبير إنما خرجوا إلى البصرة لينظروا في دم عثمان ويأخذوا بثاره من ظالميه وأرادوا بذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلبوا بوجه الله وخرج علي بن أبي طالب ليتفق معهم على الرأي والتدبير في مصالح الإسلام وأهله وكف السعي في الفتنة ومنع العامة مما ليس إليهم بل هو إلى وجوه العلماء وليقع التراضي بينهم على إنصاف واجتهاد في طلب الحق والاجتماع على الرأي فلما ترائى الجمعان تسرع غوغاؤهم إلى القتال فانتشبت الحرب بينهم على غير اختيار من القادة والرؤساء وخرج الأمر عن أيديهم في تلافي ذلك فكان من الاتباع الفتنة وسفك الدماء ما لم يؤثره علي وطلحة والزبير وعائشة ووجوه أصحابهم من الفضلاء فهلك بذلك الأتباع ونجا الرؤساء وهذا يشبه ما قدمنا حكايته عن بعض العامة من وجه يخالفه
صفحة ٢٧
من وجه آخر يميز به الرجلان من الكافة ودفعا فيه علم الاضطرار وجحد المعروف كالعيان.
وقال باقي المعتزلة كبشر بن المعتمر وأبي موسى المراد وجعفر بن بشر والإسكافي والخياط والشحام وابن مجالد البلخي والجبائي فيمن اتبعهم من أهل الاعتزال وجماعة الشيعة من الإمامية والزيدية، إن أمير المؤمنين (ع) كان محقا في جميع حروبه مصيبا بقتال أهل البصرة والشام والنهروان مأجورا على ذلك مؤديا فرض الله تعالى عليه في الجهاد وإن كل من خرج عليه وحاربه في جميع المواطن ضلال عن الهدى مستحقون بحربه والخلاف عليه النار غير أن من سميناه من المعتزلة خاصة استثنوا عائشة وطلحة والزبير من الحكم باستحقاق العقاب وزعموا أنهم خرجوا من ذلك إلى استحقاق الثواب بالتوبة والندم على ما فرط منهم في القتال فحكموا بضد الظاهر من الفعال والمعلوم منهم من المقال وضعفوا في دعواهم عما هو صناعتهم من الحجاج وأظنهم اتقوا به من العامة وتقربوا بإظهاره إلى أمراء الزمان إذ لا شبهة تعترض أمثالهم من العلماء بالأخبار والنظار المتميزين بالكلام عن أهل التقليد في فساد هذا الاعتقاد وخالف من سميناه من المعتزلة في هذا الباب (الأصم) خاصة فإنه زعم أن معاوية كان إماما محقا لإجماع الأمة عليه فيما قال بعد قتل أمير المؤمنين علي (ع) مع تظاهره بالشك في إمامة أمير المؤمنين حسبما حكيناه فيما سلف قبل هذا المكان وكل من سميناه منهم سوى (الأصم) مع تصويبه عليا وتفسيق محاربيه ويقطع على معاوية وعمرو بن العاص في خلافهما أمير المؤمنين واستحلالهما حربه بالنار وإنهما خرجا من الدنيا على الفسق الموبق لصاحبه الموجب عليه دوام العقاب وأن جميع من مات على اعتقاد إمامة معاوية وتصويبه في قتال علي (ع) فهو عندهم ضال عن الهدى خارج عن الإسلام مستحق الخلود في النار وقد وافق من سميناه
صفحة ٢٨
من المعتزلة وكافة الشيعة الخوارج في تخطئة معاوية وعمرو بن العاص وتضليلهما في قتال علي.
وجماعة من المرجئة وأصحاب الحديث من المجبرة غير أن هذين الفريقين وقفا في عذابهما ولم يقطعا على دخولهما النار ورجوا لهما ولمحاربي علي وأصحابهما من غيرهم ممن ظاهره الإسلام العفو من الله وقولهم في الخوارج كذلك مع حكمهم عليهم بالضلال.
رأي الخوارج:
وقال الخوارج: بأجمعهم أن عليا كان مصيبا في أهل البصرة أهل الشام وإنهم كانوا بقتاله ضلال كفار مستحقين الخلود في عذاب النار وادعوا مع ذلك أنه أخطأ بكفه عن قتال أهل الشام حين رفعوا المصاحف واحتالوا بذلك الكف عن قتاله وشهدوا على أنفسهم بالإثم لوفاقهم في ذلك الرأي وكفهم عن قتال البغاة إلا أنهم زعموا أنهم لما ندموا على ذلك وتابوا منه ودعوا إلى القتال خرجوا من عهدة الضلال ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الإسلام والإيمان وأن عليا لما لم يجبهم إلى القتال وأقام على الموادعة لمعاوية وأهل الشام كان مرتدا بذلك عن الإسلام خارجا من الدين وشبهتهم في هذا الباب مضمحلة لا يلتبس فسادها على أهل الاعتبار وذلك أن عليا (ع) إنما كف عن قتال القوم لخذلان أصحابه في الحال، وتركهم النصرة له وكفهم عن القتال فاضطروه بذلك إلى الإجابة لما دعوه إليه من تحكيم الكتاب ولم يجز له قتالهم من بعد، لمكان العهد لهم في مدة الهدنة التي اضطر إليها وحظر الفساد، بنقض العهد في كل ملة وخاصة في ملة الإسلام.
رأي الشيعة:
واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم
صفحة ٢٩
يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان مستحقين اللعنة والخلود والنار حسبما قدمناه، وكل من قطع على ضلال محاربي أمير المؤمنين (ع) من المعتزلة فهو يحكم عليهم بالفسق واستحقاق الخلود في النار ولا يطلق عليهم الكفر ولا يحكم عليهم بالإكفار; والخوارج تكفر أهل البصرة وأهل الشام ويخرجونهم بكفرهم الذي اعتقدوه فيهم ووسموهم به عن ملة الإسلام ومنهم من يسمهم بالشرك ويزيد على حكمه فيهم بالإكفار فهذه جمل القول فيما اختلف فيه أهل القبلة، من أحكام الفتنة بالبصرة والمقتولين بها ممن ذكرناه وأحكام صفين والنهروان وقد تحريت القول بالمحفوظ عن أرباب المذاهب المشهور عنهم عند العلماء وإن كان بعضها قد انقرض معتقدوه، وحصل على فساد القول به الإجماع وبعضها له معتقد قيل لم ينقرضوا إلى هذا الزمان وليس ينعقد على فساده إجماع وإن كان في بطلانه أدلة واضحة لمن تأملها من ذوي الألباب وأنا بمشيئة الله وعونه أذكر طرفا من الاحتجاج على كل فريق منهم خالف الحق وأثبت من الأخبار الواردة في صواب أمير المؤمنين (ع) وحقه في حروبه وأحكامه، مختصرا يغني عن الإطالة بما يتيسر به الكلام وأشفع ذلك بما يتلوه ويتصل به من ذكر أسباب الفتنة بالبصرة على ما ضمنت في ذلك بأول الكتاب.
عصمة أمير المؤمنين عليه السلام:
باب صواب أمير المؤمنين (ع) في حروبه كلها وحقه في جميع أقواله وأفعاله والتوفيق للمقر بآرائه وبطلان قول من خالف ذلك من
صفحة ٣٠
خصمائه وأعدائه فمن ذلك وضوح الحجة على عصمة أمير المؤمنين (ع) من الخطأ في الدين والزلل فيه والعصمة له من ذلك يتوصل إليها بضربين أحدهما الاعتبار والثاني الوثوق به من الأخبار فأما طريق الاعتبار الموصول إلى عصمته (ع) فهو الدليل على إمامته وفرض طاعته على الأنام إذ الإمام لا بد أن يكون معصوما كعصمة الأنبياء بأدلة كثيرة قد أثبتناها في مواضع من كتبنا المعروفة في الإمامة الأجوبة عن المسائل الخاصة في هذا الباب فمن ذلك أن الأئمة قدوة في الدين وأن معنى الائتمام هو الاقتداء، وقد ثبت أن حقيقة الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به فيما فعل وقال من حيث كان حجة فيه دون الاتباع لقيام الأدلة على صواب ما فعل وقال بسوى ذلك من الأشياء إذ لو كان الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به من جهة حجة سواه على ذلك كان كل وفاق لذي نحلة في قول أو فعل لا من جهة قوله وفعله بل لحجة سواه اقتداء به وائتماما وذلك باطل لوفاقنا الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الباطل والضلال في بعض أقوالهم وأفعالهم; من حيث قامت الأدلة على صواب ذلك فيهم لا من حيث ما رأوه وقالوه وفعلوه وذلك باطل بلا ارتياب ولأن أحد أسباب الحاجة إلى الأئمة هو جواز الغلط على الرعية وارتفاع العصمة عنها لتكون من ورائها تسدد الغالط منها وتقومه عند الاعوجاج وتنبهه عند السهو منه والاغفال ويتولى إقامة الحد عليه فيما جناه، فلو لم تكن الأئمة معصومون كما أثبتناه لشاركت الرعية فيما له إليها وكانت تحتاج إلى الأئمة عليها ولا تستغني عن دعاة وساسة تكون من ورائها، وذلك باطل بالإجماع على أن الأئمة أغنياء عن إمام وغير ما ذكرناه من الأدلة على عصمتهم كثيرة وهي موجودة في أماكنها من كتبنا على بيان الوجوه واستقصائها وأنها تثبت عصمة الأئمة (ع) حسبما وصفناه وأجمعت الأمة على أنه لو كان بعد النبي صلى الله عليه وآله إمام على
صفحة ٣١
الفور تجب طاعته على الأنام وجب القطع على أنه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب دون غيره ممن ادعيت له الإمامة في تلك الحال للإجماع على أنه لم يكن لواحد ممن ذكروه العصمة التي أوجبناها بالنظر الصحيح لأئمة الإسلام وإجماعا الشيعة الإمامية على علي (ع) كان مخصوصا بها من بين الأنام إذ لو لم يكن الأمر كذلك لخرج الحق عن إجماع أهل الصلاة وفسد ما في العقول من وجوب العصمة لأئمة المسلمين بما ذكرناه وإذا تثبت عصمة علي (ع) من الخطأ ووجب مشاركته للرسول في معناه ومساواته فيها ثبت أنه كان مصيبا في كل ما فعل وقال ووجب القطع على خطأ مخالفيه وضلالهم في حيرة واستحقاقهم بذلك العقاب وهذا بين لمن تدبر والله الموفق للصواب.
دليل آخر على إمامة علي عليه السلام فيما يدل على إمامته الموجبة بالحكم بعصمة على ما قدمناه بثبوت الحاجة إلى الأدلة بإتقان وفساد ثبوت الإمامة من جهة الشورى والآراء وإذا فسد ذلك وجب النص على الأئمة وفي وجوبه لثبوت إمامة علي (ع) إذ الأمر بين رجلين أحدهما يوجب الإمامة بالنص ويقطع على إمامة علي به ومن جهته دون ما سواها من الجهات والأخرى يمنع من ذلك ويجوزها بالرأي وإذا فسد هذا الفريق لفساد ما ذهبوا إليه من عقد الإمامة بالرأي ولم يصلح خروج الحق عن أئمة الإسلام ثبتت إمامته (ع)، التصديق في الصلاة:
مما يدل على إمامته (ع) من نص القرآن قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة يؤتون الزكاة وهم راكعون (1).
صفحة ٣٢
وهذا الخطاب موجه إلى جماعة جعل الله لهم أولياء أضيفوا إليهم بالذكر والله وليهم ورسوله ومن عبر عنه بأنه من الذين آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وهم راكعون، يعني حال ركوعهم بدلالة أنه لو أراد سبحانه بالخطاب جميع المكلفين لكان هو المضاف ومحال إضافة الشئ إلى نفسه وإنما يصح إضافته إلى غيره; وإذا لم تكن طائفة تختص بكونها أولياء لغيرها وليس لذلك الغير مثل ما اختصت به في الولاء وتفرد من جملتهم من عناه الله تعالى بالإيمان والزكاة حال ركوعه لم يبق إلا ما ذهبت إليه الشيعة في ولاية علي (ع) على الأمة من حيث الإمامة له عليها وفرض الطاعة ولم يكن أحد يدعي له الزكاة في حال ركوعه إلا علي (ع) وقد ثبتت إمامته بذلك على الترتيب الذي رتبناه فصح إنه مصيب في جميع أقواله وأفعاله وتخطئة مخالفيه حسبما شرحناه حديث المنزلة:
دليل آخر وهو أيضا ما أجمع عليه أهل القبلة ولم ينازع في صحة الخبر به من أهل العلم بالرواية والآثار من قول النبي صلى الله عليه وآله مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأوجب له بذلك جميع ما كان لهارون من موسى في المنازل إلا ما استثناه من النبوة وفي ذلك أن الله تعالى قد فرض طاعته على أمة محمد كما كان فرض طاعة هارون على
صفحة ٣٣
أمة موسى وجعله إماما لهم كما كان هارون إماما لقوم موسى وإن هذه المنزلة واجبة له بعد مضي النبي كما كانت تجب لهارون لو بقي بعد أخيه موسى ولم يجز خروجه عنها بحال وفي ذلك ثبوت إمامة أمير المؤمنين والإمامة تدل على عصمة صاحبها كما بيناه فيما سلف ووصفناه والعصمة تقضي فيمن وجبت له بالصواب بالأقوال والأفعال على أثبتناه فيما تقدم من الكلام وفي ذلك بيان صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه ولأهل الخلاف من المعتزلة والحشوية والخوارج أسئلة قد أجبنا عنها في مواضعها من غير هذا الكتاب وأسقطنا شبهاتهم بدليل البرهان لم نوردها ههنا لغنانا عن ذلك بثبوتها فيما سواه وإنما اقتصرنا على ذكر هذه الأدلة ووجوهها وعدلنا عن إيراد ما في معناها والمتفرع عليه عن إثبات رسم الحجاج في صواب علي (ع) وفساد مذهب الناكثين فيه والايماء إلى أصول ذلك ليقف عليه من نظر في كتابنا هذا ويعلم العمدة بما فيه ويستوفي معانيه فإن أحب ذلك يجده في مواضعه المختصة به لنا ولغيرنا من متكلمي عصابة الحق ولأن الغرض في هذا الكتاب ما لا يفتقر إلى هذه الأدلة من براهين إصابة علي (ع) في حروبه وخطأ مخالفيه ومحاربيه وإنا سنذكر فيما يلي هذا الفصل من الكلام وتوضيح الحجة فيه على أصول مخالفينا أيضا في طريق الإمامة وثبوتها عندهم من جهة الآراء إنكارهم ما نذهب إليه من قصور طريقها
صفحة ٣٤
على النص كما قدمناه وبيناه عن الغرض فيه ووصفناه من الدليل على أن أمير المؤمنين (ع) كان مصيبا في حروبه كلها وإن مخالفيه في ذلك على ضلال، وهو ما تظاهرت به الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله (حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي) وقوله يا علي (أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك) وهذان القولان مرويان من طريق العامة والخاصة، والمنتسبة من أصحاب الحديث إلى السنة المنتسبين منهم للشيعة، لم يعترض أحد من العلماء الطعن على سندهما ولا ادعى إنسان من أهل المعرفة بالآثار كذب روايتهما ومن كان هذا سبيله وجب تسليمه والعمل به، إذ لو كان باطلا لما خلت الأمة من عالم منها ينكره ويكذب روايته، ولا سلم من طعن فيه ولعرف سبب تخرصه وافتعاله وأقام دليل الله على بطلانه، وفي سلامة هذين الخبرين من جميع ما ذكرناه حجة واضحة على ثبوتهما حسبما بيناه.
ومن ذلك الرواية المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي (ع):
(تقاتل يا علي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) (1).
وقوله لسهيل بن عمر ومن حضر معه لخطابه على رد من أسلم من مواليهم (لتنتهين يا معشر قريش ليبعث الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله) فقال له بعض أصحابه من هو يا رسول الله؟ هو فلان قال لا قال فلان؟ قال لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة فنظروا فإذا به علي (ع) في الحجرة يخصف نعل النبي، وقوله لعلي: (تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين) والقول في هذه الرواية كالأخبار التي تقدمت، قد سلمت من طاعن في سندها بحجة ومن قيام دليل على بطلان ثبوتها وسلم لروايتها الفريقان فدل على صحتها.
صفحة ٣٥
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله: (علي مع الحق والحق مع علي) (1).
وقوله صلى الله عليه وآله (اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار) (2).
وهذا أيضا خبر قد رواه محدثوا العامة وأثبتوه في الصحيح عندهم ولم يعترض أحدهم لتعليل سنده، ولا أقدم منهم مقدم على تكذيب ناقله وليس توجد حجة في العقل ولا السمع على فساده فوجب الاعتقاد بصحته وصوابه.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وهذا في الرواية أشهر من أن يحتاج معه إلى جمع السند له وهو أيضا مسلم عند نقلة الأخبار وقوله صلى الله عليه وآله:
(قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك) والخبر بذلك مشهور وعند أهل الرواية معروف مذكور.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (فحكم أن الأذى له أذى الله والأذى لله جل اسمه ضلال مخرج عن الإيمان.
قال الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا). وأمثال ما أثبتناه من هذه الأخبار في معانيها الدالة على صواب علي (ع) وخطأ مخالفيه كثيرة أن عملنا على إيراد جميعها طال به الكتاب وانتشر الخطاب، وفيما أثبتناه منه دليلا للحق منه كفاية في الغرض الذي نأمله إن شاء الله.
صفحة ٣٦
نظرة في النصوص:
(فصل وسؤال) فإن قال قائل إنكم إن كنتم قد اعتمدتم على هذه الأخبار في عصمة علي (ع) وهي آحاد ليست من المتواترة الذي يمنع على قائليه الافتعال فما الفضل بينكم وبين خصومكم فيما يتعلقون به من أمثالها عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل فلان وفلان ومعاوية بن أبي سفيان؟ (الجواب) قيل له: الأخبار التي يتعلق بها أهل الخلاف في دعوى فضائل من سميت على ضربين: أحدهما لا تنكر صحته وإن خصومنا منفردين بنقله إذ ليس فينا مشارك لهم في شئ منه كما شاركنا الخصوم في نقل ما أثبتناه من فضائل علي (ع) إلا أنهم يغلطون في دعوى التفضيل لهم به على ما يتحيلون في معناه والآخر مقطوع بفساده عندنا بأدلة واضحة لا تخفى على أهل الاعتبار وليست مما تساوي أخبارنا التي قدمناها لقطعنا على بطلان ما يقروا به من ذلك طعنا في رواتها واستدللنا على فسادها وأجمع مخالفونا على رواية ما رويناه مما قد بيناه وتسليمه وتخليدهم صحفهم كما ذكرناه وعدو لهم عن الطعن في شئ منه حسبما وصفناه وإن كان هذا سبيله ليس يكون الأمر فيه كذلك إلا لاعتقاد القوم وتسخيرهم لنقله والتسليم لرواته إذ كانت العادة جارية بأن كل شئ يتعلق به في حجاج مخالفيه ونصرة مذهبه والمنفرد به دون خصمه وكان في الاقرار به شبهة على صحة مقالته المباين لمقال مخالفيه، فإنه لا يخلو من دافع له وجاحد وطاعن فيما يروم به إبطاله إلا أن لا تلزم الحجة في صوابه وأن يكون ملطوفا له في اعتقاده، أو مسخرا للإقرار به حجة الله تعالى في صحته ودليلا على ثبوته وبرهانا منه على نصرته والمحتج به وتبديل للحق فيه بلطف من لطائفه وإذا كان الأمر في هذا الباب على ما بيناه وثبت تسليم
صفحة ٣٧