الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي
محقق
عبد الكريم سامي الجندي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٦ هـ
سنة النشر
٢٠٠٥ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
سَعِيد بْن مُسْلِم الْبَاهِلِيّ، عَنْ أَبِيه، قَالَ: حَدَّثَنِي من حضر مجْلِس السفاح وَهُوَ أحشد مَا كَانَ ببني هَاشم والشيعة ووجوه النّاس، فَدخل عَبْد اللَّه بْن حَسَن بْن حَسَن وَمَعَهُ مصحف، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! أعطنا حَقنا الَّذِي جعله اللَّه لَنَا فِي هَذَا الْمُصحف، فأشفق النّاس أَن يعجل السفاحُ بِشَيْء إِلَيْهِ فَلا يُرِيدُونَ ذَلِكَ فِي شيخ بني هَاشم فِي وقته، أَوْ يعيا بجوابه فَيكون ذَلِكَ نقصا وعارًا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأقبل عَلَيْهِ غَيْر مغضب وَلَا منزعج، فَقَالَ: إِن جدَّكَ عليًّا ﵁ وَكَانَ خيرا منّي وَأَعْدل، وَلِي هَذَا الْأَمر فَأعْطى جَدَّك الْحَسَن وَالْحُسَيْن ﵄ وَكَانَا خيرا مِنْك شَيئًا، وَكَانَ الْوَاجِب أَن أُعْطِيك مثله، فَإِن كنت فعلت فقد أنصفتُك، وَإِن كنت زدتُك فَمَا هَذَا جزائي مِنْك، قَالَ: فَمَا ردّ عبدُ اللَّه جَوَابا، وَانْصَرف النّاس يتعجبون من جَوَابه لَهُ.
حِكْمَة عَلَى مِحْبرة
حَدَّثَنَا أبي ﵁، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس بْن مَسْرُوق قَالَ: رَأَيْت عَلَى محبرة مَكْتُوبًا:
تَمَكَّنَ فِي الفؤادِ فَمَا أُبَالِي ... أَطَالَ الهجرَ أم مَنَح الْوِصَالا
الْمجْلس الثَّانِي عَشْر
امْرُؤ الْقَيْس يحمل لِوَاء الشّعْر إِلَى النَّار
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْد اللَّه بْن نصر بْن بُجَيْرٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْن سَيْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيَّانُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَارُ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِذْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَفْدٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ أَحْيَانَا اللَّهُ ﷿ بِبَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْس، قَالَ: وَكَيف ذال؟ قَالُوا: أَقْبَلْنَا نُرِيدُكَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَخْطَأْنَا الطَّرِيقَ فَمَكَثْنَا ثَلاثًا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَتَفَرَّقْنَا إِلَى أُصُولِ طَلْحٍ وَسَمُرٍ لِيَمُوتَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا فِي ظلّ شجر، فينما نَحن بآخر رَمق غذ رَاكِبٌ يُوضَعُ عَلَى بَعِيرٍ مُعْتَمٌّ، فَلَمَّا رَآهُ بَعْضُنَا قَالَ وَالرَّاكِبُ يسمع:
لما رَأَتْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَمُّهَا ... وَأَنَّ الْبَيَاضَ مِنْ فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضارجٍ ... يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي
قَالَ الرَّاكِبُ مَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ؟ وَقَدْ رَأَى مَا بِنَا مِنَ الْجَهْدِ، قَالَ: قُلْنَا: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: مَا كَذَبَ وَإِنَّ هَذَا لضارجٌ أَوْ ضَارِجٌ عِنْدَكُمْ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَاء نحون مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، فَحَبَوْنَا إِلَيْهِ عَلَى الرُّكَبِ، فَإِذَا هُوَ كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ عَلَيْهِ الْعَرْمَضُ يَفِيءُ عَلَيْهِ الظِّلُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " ذَاكَ رَجُلٌ مَذْكُورٌ فِي الدُّنْيَا مَنْسِيٌّ فِي الآخِرَةِ، شَرِيفٌ فِي الدُّنْيَا خَامِلٌ فِي الآخِرَةِ، بِيَدِهِ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ ".
1 / 83