331

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

محقق

عبد الكريم سامي الجندي

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى ١٤٢٦ هـ

سنة النشر

٢٠٠٥ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

مناطق
العراق
الامبراطوريات
الخلفاء في العراق
فِي كتاب اللَّه تَعَالَى مَا لَيْسَ مِنْهُ بالإِيقاع والأوزان، وَحصل خَواص أَهْل الْعلم وَالْإِيمَان بِمَنْزِلَة إقصاء وهوان، وَمن عداهم من حَلِيف فتْنَة وأسير قينة، وَأكْثر من ترَاهُ فِي وقتنا مِمَّنْ أومىء إِلَيْهِ، إِمَّا واهي العزيمةِ ضعيفُ الْعقْدَة، قَدْ تأوَّل الْمُحكم غَيْر تَأْوِيله، وتشبَّثَ بجملةِ الْمُتَشَابه لعَجزه عَنْ معرفَة تَفْصِيله، وَإِمَّا ماجنٌ خليعٌ أَوْ مغرورٌ مخدوعٌ قَد استفزَّه الغَارُّ لَهُ بجرأته وجسارته، واستنزله الماكرُ بِهِ فورَّطه فِي خسارته، فأوهمه أَن الَّذِي دَعَاهُ إِلَيْهِ، وَحمله عَلَيْه، من أَعمال الْبر، والْقُرَبِ الكابسة لِلْأجرِ، وَأَن النَّبِيّ ﷺ أَشَارَ إِلَى هَذَا بِمَا ذكره من التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ، وتحسين التِّلَاوَة بالترنم والألحان، وَالَّذِي عناه النَّبِيّ ﷺ عندنَا، قراءَةَ الْقُرْآن بالتحسين والخشوع وتحقيقه وترتيله، وتبيينه وتفصيله، وتحسين الصَّوْت بِهِ من غَيْر إِحْدَاث زِيَادَة فِي أضعافه بالزَّمزمة والنَّقَرات، والهَمْهَمة والنَّبَزَات.
الْأَذَان بالألحان
حَدثنَا المظفر بن يحيى ابْن الشرابي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن يَعْنِي ابْنَ عَبْد الْعَزِيز الهَرَويّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن مِسْكين، عَنِ ابْن وَهْب، أَوْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم، عَنْ مَالك، أَنَّهُ قَالَ: لَهَمَمتُ أَوْ أردتُ أَن أُكَلِّم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الْأَذَان بألأحان أَن يَمْنَعَ من ذَلِكَ، قَالَ اللَّه ﷿: " فَمَاذَا بَعْدَ الْحق إِلَّا الضلال " أَفَمَن الْحق أَن يُؤذن بألحان.
وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب يطول ويتسع، واستقصاؤه يتَعَذَّر وَيمْتَنع، وَلنَا فِي هَذَا الْبَاب ولشيخنا أَبِي جَعْفَر ﵁ كَلَام كثير مرسوم فِي موَاضعه، من كتبنَا، وَقَدْ رسمنا من ذَلِكَ صَدرا صَالحا فِي كتَابنَا الْمُسَمّى " بتذكير العاقلين وتحذير الغافلين " فَمنْ أحبَّ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَينْظر فِيهِ، فَفِيهِ بَيَان وَفَائِدَة لمن نصح نَفسه وَنظر لدينِهِ، بِمَشِيئَة اللَّه وعونه.
عَبْد الْملك يتوسم الْخلَافَة بِأُمُور فِي نَفسه
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم، عَنْ الْعُتْبِي، عَنْ أَبِي عُبَيْدة، عَنْ عمَارَة الْعُقَيْليّ، أَوْ غَيْر رَجُل عَنْ عمَارَة، قَالَ: كُنَّا نجلس عِنْد الْكَعْبَة وَعبد الْملك بْن مَرْوَان يجالسنا من رَجُل عذب اللِّسَان لَا يَمَلُّ جليسُه حديثَه، فَقَالَ لي ذَات يوْم: يَا أَبَا إِسْحَاق! إِنَّك إِن عِشْت فسترى الْأَعْنَاق إليّ مادَّة، والآمال إِلَى سامية.
ثُمّ قَامَ فَنَهَضَ من عندنَا، فَأَقْبَلت عَلَى جلسائي فَقلت: أَلا تعْجبُونَ من هَذَا الْقُرَشِيّ! يذهب بِنَفسِهِ إِلَى معالي الْأُمُور، وَإِلَى أَشْيَاء لَعَلَّه لَا ينالها، قَالَ: فَلَا واللَّهِ مَا ذَهَبَت الأيامُ حَتَّى قِيلَ لي: إنَّه قَدْ أفضيت إِلَيْهِ الْخلَافَة، فذكرتُ قَوْله، فتحمَّلتُ إِلَيْهِ فوافيت دمشق يَوْم الْجُمُعَة، فَدخلت الْمَقْصُورَة فَإِذا أَنَا بِهِ وَقَدْ خرج عَليّ من الخضراء، فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله جلّ وَعز وَأثْنى عَلَيْه، فَبَيْنَمَا هُوَ يخْطب إِذْ نظر إليّ ثُمّ أعرض عني، فساءني ذَلِكَ، وَنزل فصلَّى بِنَا وَدخل الخضراء.

1 / 335