308

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

محقق

عبد الكريم سامي الجندي

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى ١٤٢٦ هـ

سنة النشر

٢٠٠٥ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

يَقُولُ: " أَيُّمَا مسلمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا كَانَ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مَا بَقِيَتْ مِنْهُ رُقْعَةٌ ".
تَعْلِيق الْمُؤلف
قَالَ القَاضِي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَا يَدْعُو إِلَى فعل الْخَيْر، ويحضُّ عَلَيْه، ويُرَغِّب فِي اصطناع الْمَعْرُوف، ويَنْدُب إِلَيْهِ، ورحمةُ اللَّهِ ورضوانُه عَلَى ابْن عَبَّاس تُرْجمان التَّنْزِيل، وحَبْر التَّأْوِيل، وبحر الْعُلُوم وَالْحكم، والْجُود والكَرَم، فلقت أجيبتْ فِيهِ دعوةُ ابنِ عمِّه ﷺ، نبيِّ الرَّحْمَة إِذْ دَعَا لَهُ بالفقه وَالْحكمَة، فأقْبَس عِلمه لقاصديه من الأمَّة، وأفاض فيهم مكارمَه، وأفادهم غرائبَ عِلم الدّين ومَسَائِلَه.
عينٌ لِلْحَجَّاج يوفَّقُ فِي مُهَمته
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم، عَنْ الأَصْمَعِيّ، عَنْ يُونُس، عَنْ أَبِي عَمْرو، قَالَ: بعث الحَجَّاج - إِذْ كَانَ يقاتلُ شَبِيبًا والحَرُورِيَّةَ بالعراق - إِلَى صَاحب أَهْل دمشق، فَلَمَّا أَتَاهُ، قَالَ لَهُ: اطْلُب لي من أَصْحَابك رَجُلا جَليدًا بَئِيسًا ذَا عَقْل ورأي، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأميرَ، وَمَا أحسَبَني إِلا وَقَدْ أصَبْتُه، إِن فِي أَصْحَابِي رَجُلا من حَكَمِ بْن سَعْد يُقَال لَهُ: الجراخ جَلْد صَحِيح الْعقل يَعُدُّ ذَلِكَ من نَفسه، يَعْنِي الْبَأْس، قَالَ: فَابْعَثْ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ الحجاجُ قَالَ لَهُ: أدْنُ يَا طَوِيل، فَلم يَزَلْ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ويُشير إِلَيْهِ بِيَدِهِ حَتَّى لَصِق بِهِ أَوْ كَاد، ثُمّ قَالَ: اقعد، فَقعدَ تَحُكُّ ركبتُه ركبتَه، وَلَيْسَ عِنْده غَيره، ثُمّ قَالَ لَهُ: قُم السَّاعَة إِلَى فَرَسِك فاحْسُسُه وأَعْلِفه وَأصْلح مِنْهُ، ثُمّ خُذْ سَرْجَه ولجامه، وسلاحك فضعه عِنْد وَتَدِ فَرَسِك، ثُمّ ارْقُب أَصْحَابك حَتَّى إِذا أخذُوا مضاجعهم ونَوَّمُوا فاشدُدْ عَلَى فَرَسك سَرْجَه ولِجَامه، واصبب عَلَيْك سِلَاحك وَخذ رُمْحَك واخرج حَتَّى تَأتي إِلَى عَسْكَر أَعدَاء اللَّهِ تَعَالَى تُعاينهم وتَنْظر إِلَى حَالاتِهم وَمَا هُمْ عَلَيْه، ثُمّ تُصْبِحَني غَدًا، وَلا تُحْدِثَنَّ شَيْئا حَتَّى تَنْصَرِف، فَإِذا انصرفتَ إِلَى أَصْحَابك فَلا تخبرهم بِمَا عهدتُه إِلَيْك.
فَنَهَضَ الجراحُ، فَلَمَّا أَتَى أَصْحَابه وهم مُتَشَوِّفُون لَهُ سَأَلُوهُ عَنْ أمره، فَقَالَ: سَأَلَني الْأَمِير عَنْ أَمر أَهْل دمشق، واعْتَلَّ لَهُم بِهِ، ثُمّ فعل مَا أمره بِهِ الحَجَّاج، ثُمّ خرج من الْعَسْكَر يُرِيد عَسْكَر الْقَوْم، فَلَمَّا كَانَ فِي المَنْصَفِ من العسكرين لَقِي رَجُلا فِي مثل حَاله، فَعلم الجراحُ أَنَّهُ عينُ العدوِّ يريدُ مثل الَّذِي خرج لَهُ فتواقفا وتساءلا، ثُمّ شَدَّ عَلَيْه الجَرّاح فَقتله، وأوثق فرسه بَرحْله، ثُمّ نَفَذَ إِلَى الْعَسْكَر الَّذِي فِيهِ القومُ فعاينه، وَعرف من حَاله وَحَال أهلَهُ مَا أُمر بِهِ، ثُمّ انْصَرف إِلَى الْقَتِيل فاحتزّ رَأسه وَأخذ سلاحه وجَنَّب فرسه، وعلق الرَّأْس فِي عُنق فرسه، ثُمّ أقبل.
وَصلى الحَجَّاجُ صَلَاة الصُّبْح وَقعد فِي مَجْلِسه، وَأمر بالأستار فَرفعت وَهُوَ مُتَشَوِّف منتظرٌ الجَرّاح، وَجَعَل يَرْمِي بَطَرْفهِ إِلَى النَّاحِيَة الَّتِي يظنّ أَنَّهُ يقبل مِنْهَا، فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل الْجراح يَجْنُبُ الْفرس وَالرَّأْس منوطٌ فِي لبان فَأَقْبَلَ الحَجَّاج يَقُولُ ويقلب كفَّية: فعلتَ

1 / 312