276

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

محقق

عبد الكريم سامي الجندي

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى ١٤٢٦ هـ

سنة النشر

٢٠٠٥ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

مَا معنى إِذا سرقت فاسرق دُرَّة، وَإِذَا زَنَيْت فازْنِ بحُرَّة، فَقلت: أويخبرني أَمِير الْمُؤْمِنِين، قَالَ: لَيْسَ هَذَا حَثًّا عَلَى الزِّنَا، وَلا عَلَى السَّرِقَة، وَلَكِن إِذا رُمْتَ الزِّنا من الْحُرَّة تَعذَّر عَلَيْك، وَإِذَا رُمْتَ السّرقَة للدُّرة تعذَّر عَلَيْك لِأَنَّهَا مصونة فَلَا تقدر عَلَيْهَا.
بعض أَخْبَار ذِي الرمة وَإِخْوَته ومحبوبته
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرَفَة الأَزْدِيّ، ومُحَمَّد بْن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى، عَنْ أَبِي زَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِح الفَزَاريّ، قَالَ:
ذكر ذُو الرمة فِي مجْلِس فِيهِ عدَّة من الْأَعْرَاب، فَقَالَ: عصمَة بْن مَالك شيخ مِنْهُم قَدْ أَتَى لَهُ مائَة سنة، فَقَالَ، كَانَ من أظرف النّاس، وقَالَ: كَانَ آدم خَفِيف العارضين حسن المضحك حُلْو الْمنطق، وَكَانَ إِذا أنْشد بربر وَحسن صَوته، وَإِذَا واجهك لَمْ تَسْأَم حَدِيثه وَكَلَامه، وَكَانَ لَهُ إخْوَة يَقُولُونَ الشّعْر مِنْهُم مَسْعُود، وَهَمَّام، وخرواش، وَكَانُوا يَقُولُونَ القصيدة فيزيد فِيهَا الأأبيات فيغْلب عَلَيْهَا فتذهب لَهُ، فَأتى يَوْمًا فَقَالَ لي: يَا عصمَة! إِن مية مِنقَرية وَبَنُو منقر أَخبث حَيّ وأبصره بأثر وأعلمه بطرِيق، فَهَل عنْدك من نَاقَة تزدارُ عَلَيْهَا ميَّة؟ فَقلت: نعم، عِنْدِي الجؤذر، قَالَ: عَليّ بهَا فركبناها جَمِيعًا حَتَّى نشرف عَلَى بيُوت الْحَيّ، فَإِذا هُمْ خلوف وَإِذَا بَيت ميَّة خالٍ، فملنا إِلَيْهِ فتقوص النّساء نحونا وَنَحْو بَيت ميّ، فطلعت علينا فَإِذا هِيَ جَارِيَة أملودٌ وَارِدَة الشَّعر، وَإِذَا عَلَيْهَا سِبُّ أصفر وقميص أَخْضَر، فَقُلْنَ أنشدن يَا ذَا الرُّمَّةِ، فَقَالَ: أنشدهن يَا عصمَة، فَنَظَرت إلَيْهِنَّ فأنشدْتُهن:
وقفتُ عَلَى رسْم لمية نَاقَتي ... فَمَا زلتُ أبْكِي عِنْدَهُ وأخاطبه
وأسقيه حَتَّى كَاد ممّا أبثُّه ... تُكَلِّمني أحجارُه وملاعبُه
حَتَّى بلغت إِلَى قَوْله:
هَوَى آلفٍ جَاءَ الْفِراقُ وَلَم تُجِلْ ... جوائلها أسرارُهُ ومَعَاتبه
فَقَالَت ظريفه مِمَّنْ حضر: فلتجل الْآن، فَنَظَرت إِلَيْهَا حَتَّى أتيت عَلَى القصيدة إِلَى قَوْله:
إِذا سَرَحتْ من حُبٍّ مَيٍّ سوارحٌ ... عَلَى الْقلب أبته جَمِيعًا عوازبُه
فَقَالَت الظريفة مِنْهُنَّ: قَتَلْتِهِ قَتَلَكِ اللَّه، فَقَالَت ميٌّ: مَا أصحَّهُ وهنيئًا لَهُ، فتنفس ذُو الرمة نفسا كَاد من حَرِّه يُطَيِّر شعر وَجهه، ومضيت فِي الشّعْر حَتَّى أتيت عَلَى قَوْله:
وَقد حَلَفت بِاللَّه مية مالذي ... أَقُول لَهَا إِلا الَّذِي أَنَا كاذبه
إِذا فَرَمَانِي اللَّه من حَيْثُ لَا أرى ... وَلا زَالَ فِي دَاري عدوٌّ أحاربه

1 / 280