بسم الله الرحمن الرحيم، رب سدد، وأعن، وألهم الصواب يا كريم. الحمد لله الذي يبدئ، ويعيد، وينشئ، ويبيد، جعل الناس، وهم من نفس واحدة أطوارا، وأفنى قوما منهم صغارا وآخرين كبارا؛ دلالة على أنه الفاعل الختار، الواحد القهار، العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله، ذو الجلال، والجمال، الباقي ملكه وملكوته بلا زوال، الدائم عظمته وجبروته في أبد الآباد، على ما كان في أزل الآزال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده الذي قام بحق العبودية في الأقوال والأفعال، ورسوله الذي نهض بأعباء الرسالة، فبلغ كل ما امر به، وما حاد، ولا مال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، خير صحب وآل، وسلم، وعظم، وشرف، وكرم على مر الأيام، وكر الليالي، وبعد: فهذا تاريخ تلوت به تاريخ شيخنا، شيخ الإسلام، أبي الفضل ابن حجر، بعد مماته، أعاد الله من بركاته، على أني لست من أبناء هذا الشأن، المطلقين في حلبته العنان، فلا أنا كثير التتبع للوقائع، ولا صاحب تنقيب عن الغرائب منها والبدائع، فإني كثير الانجماع عن الناس، إلا عن الأفاضل، الأماجد، الأكياس، فلا يصل إلي من الأخبار إلا ما شاع، وطار، حتى ملأ الأقطار، غير أني أعملت في كثير مما بلغني من النقل قويم العقل، فربما شفيت الغلل، بذكر الأسباب والعلل، وأشرت إلى ما أفادته العجائب، من محاسن التجارب، فيستفيد الناظر لذلك علما جما، ومعرفة بأبناء المان، مدحا وذما، فأوفق الأسماء له، (إظهار العصر، لأسرار أهل العصر) فإن رأيت فيه تقصيرا فاعذرني، وأسبل عليه ذيل الفتوة، ولا تعسرني، فإني إنما كنت مقبلا غاية الإقبال، على ما يهمني، ويعنيني من الأعمال، معملا للفكر فيه غاية الإعمال، وذلك ما أتاحه الله لي، وأفاضه علي من بيان ما لم أسبق إليه من أسرار القرآن، ومن نظر كتابي (نظم الدرر في تناسب الآي والسور) دلة على ذلك، وما حصل لي فيه والحمد لله، من دقيق المسالك، وجليل المطالب والمدارك، هذا إن كان يعرف الرجال بالحق المبين، والأمر الواضح اليقين، وإن كان إنما يعرف الحق بالرجال، فلينظر ما كتب عليه أعيان أهل العصر، وأهل الكمال، فهنالك فليتنافس المتنافسون، وليعمل العاملون، ويعلم الأئمة العالمون، والله المسؤول في إبلاغ السؤل من كل مراد، والوقوع فيه على الصواب والسداد، فمن يهدي الله، فما له من مضل، ومن يضلل الله فما له من هاد، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا من القال والقيل، فإنك أنت حسبنا، ونعم الوكيل.
حوادث سنة خمس وخمسين وثمانمائة
صفحة ٦٤