الإتقان في علوم القرآن

جلال الدين السيوطي ت. 911 هجري
30

الإتقان في علوم القرآن

محقق

محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر

الهيئة المصرية العامة للكتاب

رقم الإصدار

١٣٩٤هـ/ ١٩٧٤ م

قُلْتُ: وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ فَمِنْهَا مَا أَفْرَدْتُهُ بِنَوْعٍ وَمِنْهَا مَا تَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: الَّذِي عَلِمْنَاهُ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ مِنْهُ مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا وَسَفَرِيًّا وَحَضَرِيًّا وَلَيْلِيًّا وَنَهَارِيًّا وَسَمَائِيًّا وَأَرْضِيًّا وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي الْغَارِ. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ: الْمُنَزَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَمَا بَعْضُهُ مَكِّيٌّ وَبَعْضُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا لَيْسَ بِمَكِّيٍّ وَلَا مَدَنِيٍّ. اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ اصْطِلَاحَاتٌ ثَلَاثَةٌ: أَشْهَرُهَا: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْمَدَنِيَّ مَا نَزَلَ بَعْدَهَا سَوَاءٌ نَزَلَ بِمَكَّةَ أَمْ بِالْمَدِينَةِ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ أَمْ بِسَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ. أَخْرَجَ عثمان ابن سعد الرازي بِسَنَدِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَمَا نَزَلَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَكِّيِّ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ في أَسْفَارِهِ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَدَنِيِّ وَهَذَا أَثَرٌ لَطِيفٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا نَزَلَ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ مَكِّيٌّ اصْطِلَاحًا. الثَّانِي: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ فَمَا نَزَلَ بِالْأَسْفَارِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَكِّيٌّ وَلَا مَدَنِيٌّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالشَّامَ " قَالَ الْوَلِيدُ: يَعْنِي بَيْتَ

1 / 37