الإتقان في علوم القرآن
محقق
محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر
الهيئة المصرية العامة للكتاب
رقم الإصدار
١٣٩٤هـ/ ١٩٧٤ م
قُلْتُ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. قال البيهقي: أراد اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلَنَا فِي الْحُرُوفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ وَلَا مُخَالَفَةُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَنَعْنِي بِمُوَافَقَةِ أَحَدِ الْمَصَاحِفِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كقراءة ابن عامر: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾ في البقرة بغير واو، و: ﴿بِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ﴾ بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الشَّامَيِّ وَكَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ فِي آخِرِ بَرَاءَةٍ بِزِيَادَةِ "مِنْ" فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَشَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهَا الرَّسْمَ الْمُجَمَعَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُنَا: "وَلَوِ احْتِمَالًا "، نَعْنِي بِهِ مَا وَافَقَهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا: كَـ ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فَإِنَّهُ كُتِبَ فِي الْجَمِيعِ بِلَا أَلِفٍ فَقِرَاءَةُ الْحَذْفِ تَوَافِقُهُ تَحْقِيقًا وَقِرَاءَةُ الْأَلِفِ تَوَافِقُهُ تَقْدِيرًا لِحَذْفِهَا فِي الْخَطِّ اخْتِصَارًا كَمَا كُتِبَ: ﴿مَلِكَ الْمُلْكِ﴾ .
وَقَدْ يُوَافِقُ اخْتِلَافُ الْقِرَاءَاتِ الرَّسْمَ تَحْقِيقًا، نَحْوُ " تَعْلَمُونَ " بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ و" يغفر لَكُمْ " بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ تَجَرُّدُهُ عَنِ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ فِي حَذْفِهِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى فَضْلٍ عَظِيمٍ لِلصَّحَابَةِ ﵃ فِي عِلْمِ الْهِجَاءِ خَاصَّةً وَفَهْمٍ ثَاقِبٍ فِي تَحْقِيقِ كُلِّ عِلْمٍ. وَانْظُرْ كَيْفَ كَتَبُوا " الصِّرَاطَ " بِالصَّادِّ الْمُبْدَلَةِ مِنَ السِّينِ وَعَدَلُوا عَنِ السِّينِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ لِتَكُونَ قِرَاءَةُ
1 / 260