الإتقان في علوم القرآن

جلال الدين السيوطي ت. 911 هجري
152

الإتقان في علوم القرآن

محقق

محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر

الهيئة المصرية العامة للكتاب

رقم الإصدار

١٣٩٤هـ/ ١٩٧٤ م

- وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ فَأَتَى بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فَأَمْلَاهُ عَلَى السَّفَرَةِ الْكَتَبَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ . وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ قَالَ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: قُلْ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أَنْتَ مُرْسَلٌ إِلَيْهِ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: افْعَلْ كَذَا وكذا وأمر بكذا وكذا فَفَهِمَ جِبْرِيلُ مَا قَالَهُ رَبُّهُ ثُمَّ نَزَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَهُ رَبُّهُ وَلَمْ تَكُنِ الْعِبَارَةُ تِلْكَ الْعِبَارَةَ كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: قُلْ لِفُلَانٍ: يَقُولُ لَكَ الْمَلِكُ: اجْتَهِدْ فِي الْخِدْمَةِ وَاجْمَعْ جُنْدَكَ لِلْقِتَالِ فَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ: يَقُولُ الْمَلِكُ لَا تَتَهَاوَنْ فِي خِدْمَتِي وَلَا تَتْرُكِ الْجُنْدَ تَتَفَرَّقُ وَحُثَّهُمْ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ لَا يُنْسَبُ إِلَى كَذِبٍ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ. وَقِسْمٌ آخَرُ قَالَ اللَّهُ لجبريل: اقرأ على النبي ﷺ هَذَا الْكِتَابَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَمَا يَكْتُبُ الْمَلِكُ كِتَابًا وَيُسَلِّمُهُ إِلَى أَمِينٍ، وَيَقُولُ اقْرَأْهُ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ لَا يُغَيِّرُ مِنْهُ كَلِمَةً وَلَا حَرْفًا. انْتَهَى قُلْتُ: الْقُرْآنُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ كَمَا وَرَدَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ. وَمِنْ هُنَا جَازَ رِوَايَةُ السُّنَّةِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدَّاهُ بِالْمَعْنَى وَلَمْ تَجُزِ الْقِرَاءَةُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدَّاهُ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُ إِيحَاءَهُ بِالْمَعْنَى وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِلَفْظِهِ وَالْإِعْجَازُ بِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَنَّ تَحْتَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ مَعَانِيَ لَا يُحَاطُ بِهَا كَثْرَةً فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ حَيْثُ جَعَلَ الْمُنَزَّلَ إِلَيْهِمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:

1 / 159