فإذا أقر بنبوة محمد لثبات الحجة عليه، ووضوحها لديه، ولزومها له إذ إقراره بها يثبت نبوة نبيه، ومكابرته فيها وقوله بالدفع لها؛ يبطل قوله في نبيه قيل له: اتق الله، وأجب محمدا داعيا إلى الله ورسوله إليك وإلينا. فإن قال: قد أثبتم علي الحجة بما لم أقدر أن أدفعه في إثبات نبوته؛ إلا أن أدفع نبوة نبيي؛ فقد أقررت لكم بنبوته حين اضطررت إلى ذلك؛ فهو نبيكم ورسولكم، وليس إلينا برسول.
قيل له: بل هو رسول إليك وإلى آبائك من قبلك(1)، بإقرارك لا بإنكارك، فقد أقررت بذلك ولزمك؛ من حيث ثبتت عليك الحجة في الإقرار بنبوته، وإن كنت لم تعقل ذلك ولم تفهمه، ولم يحط به عقلك فيعلمه .
فإن قال: ومن أين حكمت علي بذلك، وجعلتني في الحكم كذلك؟ أبن لي بذلك قولا صوابا، وأزح لي به شكا في قلبي وارتيابا.
قيل له: ألست قد أقررت بأنه رسول الله ونبيه؟ فلا يجد بدا من أن يقول: نعم. فيقال له: هل يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم أن تأتي بشيء من أنفسها؛ ثم تزعم أنه من الله دونها، وفي ذلك مالا يخفى عليك من الكذب على الله، وحاشا لرسل الله صلوات الله عليهم من ذلك. فلا يجد بدا من أن يقول: لا يجوز ذلك في الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل.
فإذا قال ذلك، قيل له: أفليس القرآن الذي جاء به محمد من الله، وذكر أنه من الله؛ هو من الله، فلا يجد بدا أن يقول: نعم، هو قرآن بعث به إليكم دوننا. فإذا قال ذلك، قيل له: قد أقررت بنبوءته صلى الله عليه، وأقررت بالكتاب الذي جاء به أنه حق من الله؛ فقد وجدنا في هذا الكتاب تصديق إرسال محمد إليكم.
فإن قال: وأين ذلك؟
صفحة ٥٧١