87

قيل له: الوجه الأول يمنعنا من الشك ، ويوجب القطع على أنه ليس بمعجز ، وأنه يجري مجرى سائر الصناعات والمهن ، لأنا قد بينا أن التحدي مما لا يصح ، كما لا يصح ذلك في الصناعات والمهن .

فإن قيل: فما تنكرون على من قال: إن القرءان هو من هذه الحروف وجنسها مقدور للبشر ، ولا يصح أن يكون المعجز جنسه في مقدور العباد ، لأنه يؤدي إلى التناقض ، لأن من شأن المعجزات أن يتعذر على العباد ، وما كان جنسه مقدورا لهم ، فهو متأتي منهم ، والتأتي ينافي التعذر ، وإذا كان ذلك كذلك ، لم يصح أن يكون القرءان معجزا ؟!

قيل له: هذا الذي ادعيت من التناقض على الوجه الذي ظننت ظاهر السقوط ، لأن جنس الشيء وإن كان مقدورا للعباد ، فإنه لا يجب أن يصح فعل ذلك الشيء منهم على كل وجه ، بل لا يمتنع أن يتعذر فعله على بعض الوجوه ، وإن صح فعله على وجه آخر ، وهذا لا يؤدي إلى التناقض ، لأنه من الوجه الذي يتأتى لا يتعذر ، ومن الوجه الذي يتعذر لا يتأتى ، وإنما يتعذر ما يتعذر بما يكون جنسه مقدورا للعباد ، لأن القادر ربما احتاج لإيقاعه على وجه مخصوص إلى كونه عالما ، أو في حكم العالم ، أو يحتاج إلى الآلة ، وما يجري مجرى الآلة ، فإذا قصد الآلة فيما يحتاج لفعله على وجه مخصوص إلى الآلة ، أو القلم فيما يحتاج لفعله على وجه مخصوص إلى كونه عالما ، تعذر فعله على ذلك الوجه ، وإن كان جنسه مقدورا .

صفحة ١٣٩