101

ألا ترى أن من يريد تأديب ولده وتهذيبه ويردعه عما لا يحسن ، وحمله على طريق الصلاح يجوز أن يمسه بمقارع ، فيقع الخطأ فيه ، ويتجاوز الغرض المطلوب حتى يوهن بعض أعضائه ، ولكن لا يجوز أن يبلغ به الخطأ مع كمال عقله ، وسلامة أحواله ، حتى يضربه بالسيف ضربة يعلم أو يغلب على الظن أنها تأتي عليه ، وكذلك من يداوي نفسه يجوز أن يخطئ فيرسل على بعض أعضائه العلق (¬1) ، فيزيد ذلك في مرضه وألمه . ولكن لا يجوز مع كمال العقل أن يخطئ فيرسل الأفعى على بعض أعضائه على سبيل التداوي .

وكذلك يجوز أن يجني على نفسه ، بتناول ما يضره من الأدوية على سبيل الخطأ , ولكن لا يجوز أن يخطئ فيتناول الببش (¬2) ، مع علمه به وبصفته وفعله . ونظائر هذا أكثر من أن تعد وتحصى .

فإذا صح ذلك وثبت ، فقد علمنا أن إيراد هذه الآيات لو لم تكن من عند الله عز وجل ، لكان من الخطأ العظيم الفاحش الذي لا يجوز وقوع مثله من كامل العقل ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أتى قوما هم نظراؤه في النسب ، وأشكاله في اللسان ، وأمثاله في المعرفة بمجاري الأمور ، فدعاهم إلى دين كرهوه ، وعادوه عليه وناصبوه ، ولم يدعوا ممكنا في مناوأته إلا أتوه ، وهو يعلم أن أمره مبني على صدق اللهجة ، ومجانبة الكذب والتنزه عنه ، وأن يسير الكذب لو ظهر منه لأدى إلى إفساد حاله ، وتوهين أمره ، ومكن منه أعداءه ، ونفر عنه أولياءه ، وهدم ما أسسه ، ونشر ما ضمه ، ونقض ما شاده .

صفحة ١٥٣