أما بعد:
فقد سبق مني كتاب جمعته من الخلافيات سميته «البرهان» وبلغت فيه غاية ما رمته على ما اتفق لي من إقامة الدلائل وإيضاح البراهين وإزاحة الشبهات وكشف المعاني غير أن الكتاب طال جدًا، فإني لم أكن شرعت فيه شروع طالب للاختصار والإيجار بل قصدت فيه قصد الاستيفاء والاستقصاء وأردت أن يكون ذلك عمدة المدرس لا عدة الحافظ، نعم، وحين طال بي المراس في المسائل، وتردد القول في سبرها وسبكها جدالًا مع المخالفين ومذاكرة مع الأصحاب، وعرضتها على فكرى مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى، عرضت في خلال ذلك طرق متينة ومعاني محكمة وأسرار عجيبة ونكت معجبة، ورأيت عجز المعترضين دونها وتضأل المخالفين عندها، وتعظم المتدافعين عند جانبها فعند ذلك رأيت أن أسعى في مجموع آخر للأصحاب خاصة، ولكل من طلبه عامة سعى من طب لمن حب، ألفت فيه بنات صدري وأجمع له كدي وجدي وأبلغ فيه الغاية بجهدي وأجعله زبدة عمري ونهاية فكري، وقصدت فيه قصد الإيجاز والاختصار وهو كتاب لم يطل ذلك الطول المفرط الذي يسأم منه الناظر ولم يقصر قصور العجز عن بلوغ المراد، واعتنيت في المسائل التي أعضلت على فحول النظر زيادة اعتناء، وكشفت عن حقائقها زيادة كشف.
ونصصت على المعاني التي يمكن الاعتماد عليها، ونبهت على كثير من مجازفات المتفقهة وتجوزاتهم وتمسكهم بطرق حقها الإطراح، وغفلتهم عن معاني حقها القبول والإتباع، وذكرت حجج المخالفين بأتم لفظ وأوجز معنى، وأثبت بما يعتمد الأئمة منهم في الوقت، ولم أشتغل بالمستسقط من كلام مشايخهم إلا أشياء لابد من إيرادها والانفصال عنها، وسميت الكتاب «كتاب الإصطلام» لإصلامه كلام المخالفين لنا ابتلاء ولإطراحه
1 / 40