بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الطول والامتنان، والعز والسلطان، والعظمة والبرهان والكبرياء والجبروت والآلاء، الذي من على أوليائه بهدايته، ونجاهم من مضلات الأهواء برأفته، وألهمهم الاقرار بتوحيده، والاخلاص بتمجيده واجده جد من علم أن ما به من نعمة فمن الله مبدأها، وما مسه من الأسواء فيسوء جنايته على نفسه جناها، وأستعينه على حوادث الأزمان ولوازب الأوان واستغفره من الذنوب، وأسأله ستر العيوب، وأرغب إليه في الصلاة على سيد المرسلين، محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين (أما بعد) فإني لما تأملت ما عليه الأمة من أهوائها ونظرت في سبب مذاهبها واختلاف آرائها وأقاويلها وجدت منها الجم الغفير، والعدد الكثير وأهل الغلبة والسلطان والغفلة والنسيان، قد اصطلحوا على تعطيل أحكام كتاب الله تعالى، ودرس معالم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإضاعة حدود دين الله، وإباحة حرامه وحظر حلاله، فوجدت المتمسك بذلك عندهم حقه مهتضما مهجورا، وحبله ولايته بينهم مجذوذا مبتورا، ومودتهم لديهم متروكة وعصمة حريمه فيهم مهتوكة، وقد اطفؤا بطغيانهم مصابيح دين الله وأنواره، وهدموا معالمه ومناره. وهم مع
صفحة ١٢
ذلك يدعون أنهم أولياؤه وأنصاره وأصفياؤه، والدالون عليه والداعوان إليه، تخرصا وافتراءا، وظلما واعتداءا، فأصبحت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا القليل منها لحدود الله تاركة، ولغير سبل الله سالكة، ولحقوقه مضيعة، ولحرمة دينه هاجرة، ولغير أولياء الله متبعة كأنهم صم لا يسمعون وبهم لا يعقلون قد شملهم البلاء وغلبت عليهم الأهواء وملكتهم الضلالة وأهلكتهم الفتن وعدمت فيهم الأحكام والسنن وأحاطت بهم الغيرة والظلم والحيرة، واستولت عليهم الجهالة والبهم، حتى ملئت الأرض جورا وظلما واعتداء ومعاصي وطغيانا، فهم في غمرة الجهل يخوضون وفي كل شك وشبهة يتيهون وقد طالت عن الله غفلتهم وفي مضاجع المبتدعين رقدتهم، وفي مسالك المفترين ضلالتهم، فهم على الدنيا متكالبون وعلى تكاثرها ومفاخرها منكبون ومن حلها وحراما طالبون قد استباحوا في ذلك الحرام وأعرضوا فيه عن التقوى متشتة آرائهم مختلفة أهواؤهم وأصبحت معالم الحق فيهم خاملة مهجورة ومنازله مهدومة مغمورة وآثارهم مطموسة مندرسة وسبل الظلالة عندهم مغمورة مشهورة وأعلامه منصورة منشورة وأصبح المؤمن بينهم غريبا مستضعفا لصدقه والفاسق لديهم معظما لفسقه يختارون غير الخيرة فيسيرون فيهم أسوء سيرة بأحكام الجبابرة وسيرة الأكاسرة ركنوا إلى الدنيا طلبا للملك الذي يفنى وطرقوا الجور والظلم طرقا فسلكتها أمم فعل القرون الماضية وسنة أصحاب الخاطئة فيهدمون في كل عام علما ويبنون فيه ظلما حتى خفيت مناهج الحق ودرست طرق الصدق ووضعوا دون الكتاب العزيز الآراء وشهروا بعد نبذ الكتاب الخطاء يقبع كل فرقة منهم أخبارها مولية للحق أدبارها قد نبذوا أحكام القرآن وخالفوا جميعا ما فيه الشفاء والبرهان ساهون لاهون عن الورع متمسكون بآثارها أهل البدع وأموال المستضعفين بينهم تقسم على التداول والظلم مستخرجة منهم بالقهر والغشم لا مانع منهم يدفع ولا دافع يردع فانظروا يا إخواني المؤمنين وأهل خلاصة الله العارفين
صفحة ١
من أين هذه الأموال مجموعة وأين هي بعد ذلك موضوعة قد شيدت منها القصور وشربت منها الخمور وجند بها الجنود وجى بها سواس القرود وأهل اللعب بالبزاة والفهود، وكل من شايعهم على تعطيل الحدود وينكحون النساء ويشترون الإماء بأموال الأرامل واليتامى والمساكين فيا سبحان الله هل هذا إلا تعطيل الدين وأحكام الكتاب المبين والكفر بديان يوم الدين فلا كتاب بينهم يتبع ولا سنة بينهم تسمع فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب أليم فلما رأيت هذا الضلال فيهم قد عم والفساد منهم قد شمل نظرت في ابتداء ذلك ممن تشعب وإلى من ينتسب من المتسولين على أحكام الدين إذ كل هذا وشبهه لا يجري إلا من أهل الغلبة والسلطان والعتو والطغيان فميزت عند ذلك واختبرت وتفكرت وتدبرت وبحثت واعتبرت طالبا بذلك سبيل الهداية وهاربا عن سبيل الضلالة والرد ليتولى من يحب ولايته بحقيقة معرفته ويرفض من يحب البراءة منه ببصيرة في عمله إذا كان حق النظر والاعتبار يوجب على كل ذي فهم أن لا يتولى إلا بمعرفة ولا يرفض إلا ببصيرة فلما أعملت الاستقصاء في ذلك بالنظر والاختبار والفحص والاعتبار وجدت فساد ذلك كله يتبع بدع الثلاثة المستولين على أحكام دين الله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقر بذلك منهم الخاص والعام من نقلة الآثار وحملة الأخبار مما نحن ذاكروه في مواضعه منسوبا إلى كل واحد منهم ما جرى منه في ذلك على جهته إذ كان كل واحد من الثلاثة قد ابتدع في أيامه وعصره بدعا في شريعة الاسلام على قدر طول عمره وتراخى أيامه وعلى قدر تمكنه في سلطانه مما يوجب على مبتدعه الهلاك والدمار وسوء العاقبة والبوار إذ لا أحد مجتمع على خطر ذلك من الله تعالى ورسوله في الدين على جميع المسلمين فمن الثلاثة من كانت بدعه داخلة للضرر والفساد على جميع من دخل تحت أحكام الشريعة من مسلم ومعاهد ومنهم
صفحة ٢
من كانت بدعه داخلة على قوم دون قوم من الأمة فاتبعهم على ذلك السواد الأعظم والجمهور الأعم مع إقرارهم بحظره وإيجاب الكفر على من قصد مثله بتعمده ومن جميع العباد ثم هم مع ذلك ينقلون عن الثلاثة جميعه فلا يمنعهم ذلك من موالاتهم وموالاة من يواليهم ومعاداة من يعاديهم على ما علموا من يعقبهم مناهج الحق جهلا منهم بما فعل الثلاثة المبتدعون من عظيم ما نقل عنهم إما جهلا بما على المبتدعين من عظيم ما نقل عن الثلاثة وذلك أخس لأحوالهم وأظهر لجهلهم وإما عصبية منهم لهم ورضى بفعلهم على معرفة منهم بفساده والإحاطة بباطله وذلك أثبت لكفرهم وإلحادهم وأدعى إلى كشف ضلالهم وعنادهم ووجدت فرقة فرت منهم قليلة العدد مشردة منهم في كل بلد فامتنعت من موالاتهم وزالت عن الرضا بأفعالهم وسعت عند ذلك في طلب الحق من معادنه وإثارته عن مكامنه وهم شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاستحلوا عند ذلك سفك دمائهم وإباحة أموالهم وهتك محارمهم وصاروا بينهم مقهورين مستضعفين وجلين خائفين وهم مع هذه الحالة مستمسكون بدينهم صابرون على محنهم حامدون لربهم منتظرون الفرج منه في غدوهم ورواحهم، فلما رأيت الجهل منهم قد شمل والضلال فيهم قد كمل والغفلة في تأمل افعلا الأوائل من المبتدعين قد عمت والشبهة منهم قد جرت استخرت الله تعالى قصدت عند ذلك إلى شرح ما تقربه أولياؤه ويذعن له متبعوهم إذا عرفوا من بدعهم في الدين ما قد ظهر به الفساد في المسلمين ليكون ذلك بصيرة للطالب ودليلا للراغب مستجلبا بذلك الثواب من الله تعالى متقربا إليه وكففت عن ذكر ما لا يقويه أولياؤهم مما تفرد بنقله مخالفوهم لتكون الحجة على من تولاهم مع ذلك منهم أبلغ والبصيرة بما يخالفهم أنفع والمعرفة ببدعهم أجمع وأقدم في ذلك كله وغيره التوكل على الله عز وجل والاستعانة بتوفيقه وهدايته وهو حسبنا ونعم الوكيل.
صفحة ٣
(ذكر بدع الأول منهم) فأول ما ابتدعه الأول منهم التأمر على الناس من غير أن أباح الله له ذلك ولا رسوله ومطالبته جميع الأمة بالبيعة له والانقياد إلى طاعته طوعا وكرها فكان ذلك منه أول ظلم ظهر في الاسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان هو وأولياؤه جميعا مقرين بأن الله ورسوله لم يولياه ذلك ولا أوجبا طاعته ولا أمر ببيعته فدخل الناس كلهم تحت أمره ونهيه على ثلاث منازل (فرقة) منهم راضية به وبفعله متبعة لرأيه طوعا فحلو محله في الإثم لقبولهم لأمره ورضاهم بفعله طائعين غير مكرهين (وفرقة) تحيرت في أمره جهلا منهم لا تدري أذلك له أم لغيره فحلت محل المستضعفين المرجين لأمر الله إلى أن قرع الحق مسامعهم وقطعت الحجة عذرهم (والفرقة الثالثة) كانت مستبصرة بضلاله عارفة بظلمه غير راضية بفعله فقهروا على الدخول تحت أمره وسلطانه فدخلوا كارهين غير طائعين فحلوا محل المتقين المكرهين بفعله الخائفين فكل فعل فعلوه مما اتقوا فيه على أنفسهم وأموالهم من الأفعال التي لم يأمر الله بها ولا رسوله فلهم ثوابه إذا كانوا مكرهين عليه وعلى من استكرههم وزره وعقابه، فلما انقاد له الناس على هذه المنازل الثلاث طوعا وكرها طالبهم بالخروج إليه مما كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والأخماس وما يشاكلها ثم تسمي بخلافة رسول الله (ص) ونفذت بذلك كتبه إلى الأمصار من خليفة رسول الله (ص) فكانت هذه الحالة منه جامعة للظلم والمعصية والكذب على رسول الله (ص) وذلك لما طالبهم بالخروج إليه مما كان يأخذه منهم رسول الله (ص) من الصدقات وغيره كان ذلك منه ظلما ظاهرا إذا كان يعلم أن الله ورسوله لم يجعلا له ولا إليه شيئا منه ولما لم يجعل الله ولا رسوله ولا ولاته إليه شيئا من ذلك كان ظالما في مطالبته لهم به فظهرت منه المعصية لله ولرسوله إذ طالب بما ليس له بحق.
ولما قال إني خليفة رسول الله (ص) وقد علم وعلم معه الخاص والعام أن
صفحة ٤
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلفه كان ظالما كاذبا بذلك على رسول الله (ص) متعمدا بالكذب منه إذ كان لا يجوز لأحد في النظر والتميز أن يدعي خلافة رسول الله (ص) إلا لمن استخلفه الرسول (ص) من بعده ومن لم يستخلفه الرسول (ص) كان محالا أن يكون خليفة له وجاز ذلك لقائل من المسلمين على وجه من وجوه التأويل لجاز هذا لكل مسلم وهذا مما لا يقوله ذو فهم ولما كان الكذب منه بذلك قد وقع على الرسول (ص) متعمدا من غير غفلة ولا جهل به وجب عليه حقيقة قول الرسول (ص) فيما نقله الخاص والعام (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (1) وكان هو أول من ظهر منه الكذب على رسول الله (ص) بذلك بعد وفاته فإن ادعى مدع أن ذلك كان منه في جميع ما وصفناه في أموال الصدقات وغيرها لأن قوما من الأمة نصبوه لذلك قيل لهم وهل من الذين نصبوه لذلك أمر من الله تعالى ورسوله بنصب من شاؤوا وكيف شاؤوا أم هم جعلوا ذلك برأيهم، فإن قالوا أنه كان معهم أمر بذلك من الله ورسوله طولبوا بإيراد آية من كتاب الله أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجمع عليه في النقل والتأويل بصحة ذلك ولن يجدوا إليه برأيهم فقد خصموا أنفسهم وكفوا الناس مؤنتهم إذ كان ذلك غير جائز في الشريعة وأحكامها حكم واحد فيما لا يملكه ولم يجعله الله إليه ورسوله ولا له شئ منه وقد شرحنا في هذا المعنى في كتاب الأوصياء ما فيه كفاية ومقنع ونهاية ولما انقاد له الناس فيما وصفناه طوعا وكرها امتنعت عليه قبيلة من العرب في دفع الزكاة إليه وقالوا أن الرسول (ص) لم يأمر بالدفع إليك ولا أمرك بمطالبتنا به فعلام تطالبنا
صفحة ٥
بما لا يأمرك الله به ولا رسوله فسماهم أهل الردة وبعث إليهم خالد بن الوليد في جيش فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم وجعل ذلك كله فيئا فسمه بين المسلمين فقبلوا ذلك منه مستحلين له إلا نفر كرهوا ذلك منهم عمر بن الخطاب فإنه عزل سهمه منهم وكان عنده إلى أن ملك الأمر ثم رده عليهم فكانت خولة بنت جعفر والدة محمد بن الحنفية منهم فبعث بها إلى أمير المؤمنين عليه السلام فتزوجها ولم يتملكها واستحل الباقون فروج نسائهم وقتل خالد ابن الوليد رئيس القوم (1) مالك ابن نويرة وأخذ امرأته وطأها من ليلتك من غير استبراء لها ولا وقعت عليها قسمة فأنكر عمر ذلك من فعله عليه وقال لأبي بكر في أمره فاحتج بأن قال إنما خالد رجل من المسلمين ليس بأل من أخطأ ولم يظهر منه إنكار عليه في ذلك بل نصره ممن رام الانكار عليه فيما فعله مع ما رواه أهل الحديث جميعا بغير خلاف عن القوم الذين كانوا مع خالد أنهم قالوا أذن وصلينا وصلوا وشهدنا الشهادتين وشهدوا فأي *
صفحة ٦
ردة لهؤلاء ها هنا مع ما رواه جميعا أن عمر قال لأبي بكر تقاتل قوما يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى فقال أبو بكر لو منعوني عقالا - أو قال عتاقا - مما كانوا يدفعونه إلى رسول الله لقاتلهم - أو قال لجاهدتهم - فكان هذا الفعل منه فعلا فظيعا وظلما عظيما وتعديا بينا من أين له أن يجاهد قوما على أن منعوه مما كانوا يدفعونه إلى رسول الله (ص) أبأمر من الله ورسوله أم رآه واستحسنه فإن قال أولياؤه بل من الله ورسوله فعليهم إقامة الدليل على صحة ذلك بآية من كتاب الله أو خبر عن رسول الله (ص) خاصة باسمه ونسبه مجمع على نقله وتأويله (وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) وإن قالوا أن ذلك كان منه برأي واستحسان قيل لهم فمن رأى أن يقتل المسلمين ويستبيح أموالهم ويجعلها فيئا هل عندكم ظالم أو محق فإن قالوا إنه محق أباحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم وانتهاب حريمهم واستباحة أموالهم وقائل هذا خارج عن الله ودين محمد (ص) عند ذي فهم وإن قالوا إنه ظالم فيكفي خزيا وكفرا وجهلا مع ما رواه جميعا أن عمر لم يزل عاتبا عليه وعلى خالد بن الوليد أيام حياته في ذلك فلما ملك عمر كان خالد يتحاماه وعمر عاتب عليه بسبب قتل مالك بن نويرة لأنه كان خليفة في الجاهلية وروى مشايخنا من طريق أهل البيت عليهم السلام أن عمر استقبل خالدا يوما في بعض الطريق وفي بعض حيطان المدينة فقال له عمر يا خالد أنت قتلت مالكا فقال يا أمير المؤمنين إن كنت قتلت مالكا بن نويرة لهنات كانت بيني وبينه لقد قتلت لكم سعدا بن عبادة لهنات كانت بينكم وبينه فأعجب عمر قوله فضمه إلى صدره وقال له أنت سيف الله وسيف رسوله فسمت العامة عند ذلك خالدا سيف الله وسيف رسوله وذلك أن سعدا بن عبادة الأنصاري كان رئيس الخزرج وسيدها وكان من النقباء وكانت الأنصار
صفحة ٧
قد أرادت البيعة فلما جرى الأمر في بيعة أبي بكر على ما جرى امتنع سعد ابن عبادة من البيعة فمات أبو بكر ولم يبايعه سعد بن عبادة ثم لم يبايع عمرا أيضا من بعده ولم يجرؤا على مطالبته بها خوفا من قومه وذلك أنهم لما أرادوا مطالبته بالبيعة قال لهم ابنه قيس بن سعد إني ناصح لكم فاقبلوا نصحي قالوا وما ذلك قال إن سعدا قد حلف لا يبايعكم وهو هذا حلف فعل فإذا حلف زل الشك منه ولن يبايعكم حتى يقتل وأن يقتل حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وأن يقتل هو وأهل بيته حتى تقتل الأوس كلها ولن تقتل الأوس كلها حتى تقتل الخزرج كلها ولن تقتل الخزرج كلها والأوس كلها حتى تقتل بطون اليمن كلها فلا تفسدوا عليكم أمرا قد كمل واستتم لكم فقبلوا منه نصحه ولم يتعرضوا لسعد في ذلك ثم إن سعدا خرج من المدينة إلى الشام في أيام عمر وكان في قرى غسان من بلاد دمشق فأنزل فيهم لأن غسان من عشيرته وكان خالد بن الوليد بالشام يومئذ وكان من الموصوفين بجودة الرمي وكان معه رجل من قريش يعد أيضا بجودة الرمي فاتفقا على قتل سعد بن عبادة لامتناعه من البيعة لقريش فجلسا ليلة في مسيره بين شجر كرم فلما مر بها على فرسه رمياه بسهمين فقتلاه وقالا ببيتين من الشعر ونسباهما إلى الجن فطرحاهما بين العامة فنسب العامة قتل سعد إلى الجن وهما.
قد قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عبادة ورميناه بسهمين * فلم نخط فؤاده واستتر على الناس أمره في ذلك إلى أن جرى من قول عمر لخالد ما جرى في أمر مالك بن نويرة فكشف الحال خالد بن الوليد في ذلك وكان قتل مالك ابن نويرة وعشيرته وتسميتهم بأهل الردة من عجائب الظلم والبدع العظيمة المبكرة الفظيعة، ثم رووا جميعا أن عمر لما ملك الأمر جمع من بقي من عشيرة مالك بن نويرة واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم فرد ذلك عليهم مع نصيبه مما كان منهم، وزعم أهل الرواية أنه استرجع
صفحة ٨
بعض نسائهم من نواحي كثيرة وبعضهن حوامل فردهن إلى أزواجهن فإن كان فعل أبي بكر بهم خطأ فقد أطعم المسلمين الحرام من أموالهم وملكهم العبيد الحرام من أولادهم وأوطأهم الفروج الحرام من نسائهم وفي هذا الخزي العظيم والنكال الأليم، وإن كان فعله حقا وصوابا فقد أخذ عمر نساء من قوم قد ملكوهن بحق فابتزهن من أيديهم غصبا وظلما وردهن إلى قوم لا يستحقونهن يطأونهن حراما من غير مبايعة وقعت ولا أثمان دفعت وفي كلا الحلالين قد أوطئا جميعا وأحدهما المسلمين فروجا حراما وأطعماهم مالا حراما من أموال المقتولين على منع الزكاة منه ومن نسائهم فليثبت الآن أولياؤهم أي الجالين شاؤوا ولينفوا منهما أيهما شاؤوا فما يجدون عن ذلك في حقيقة النظر محيصا وليس فيهما ولا في أحد منهما خظ لمختار وما منهما إلا من قد فعل ما لا يرضي الله ولا رسوله فيه إذا كان في ذلك هتك حرمة المسلمين وإبطال أحكام شريعة الدين، ممن أنه عمد إلى الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في ظلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبض دونها تركات أبيها مما خلفه عليها من الضياع والبساتين وغيرها وجعل ذلك كله بزعمه صدقة للمسلمين وأخرج أرض فدك من يدها فزعم هذه الأرض كانت لرسول الله (ص) إنما هي في يدك طعمة منه لك، وزعم أن رسول الله (ص) قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه فهو صدقة فذكرت فاطمة عليها السلام برواية جميع أوليائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل لي أرض فدك هبة وهدية فقال لها هات بينة تشهد لك بذلك فجاءت أم أيمن فشهدت لها فقال امرأة لا تحكم بشهادة امرأة، وهم رووا جميعا أن النبي (ص) قال أم أيمن من أهل الجنة فجعله أمير المؤمنين عليه السلام شهد لها فقال هذا بعلك وإنما يجر إلى نفسه، وهم قد رووا جميعا أن رسول الله (ص) قال علي مع الحق والحق مع علي يدور (1)
صفحة ٩
معه حيث دار ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، هذا مع ما أخبر الله به من تطهيره لعلي وفاطمة عليهما السلام من الرجس (2) وجميع الباطل بجميع وجوهه رجس، فمن توهم أن عليا وفاطمة عليهما السلام يدخلان من بعد هذا الأخبار من الله في شئ من الكذب والباطل على غفلة أو تعمد فقد كذب الله ومن كذب الله فقد كفر بغير خلاف، فغضبت فاطمة (ع) عند ذلك فانصرفت من عنده وحلفت أنها لا تكلمه وصاحبه حتى تلقى أباها فتشكو إليه ما صنعا بها فلما حضرتها الوفاة أوصت عليا عليه السلام أن يدفنها
صفحة ١٠
ليلا لئلا يصلي عليها أحد منهم ففعل ذلك فجاؤوا من الغد يسألون عنها فعرفهم أنه قد دفنها فقالوا له ما حملك على ما صنعت قال وصتني بذلك فكرهت أن أخالف وصيتها، وهم قد رووا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل (1) ولم يجز أن أخالف رسول الله (ص) في مخالفة وصيتها فقال عمر اطلبوا قبرها حتى ننبشها ونصلي عليها فطلبوه فلم يجدوه ولم يعرفوا لها قبرا إلى هذه الغاية، ورووا كذلك جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (2) فإذا كان الرسول (ص) قد أخبر أن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها وأن من آذاها فقد آذى رسول الله ومن آذى رسول الله فقد آذى الله، وقد دل دفنها بالليل من غير أن يصلي عليها أحد منهم أو من أوليائهم أن ذلك كان منها غضبا عليهم بما اجترؤا عليها وظلموها، وإذا كان ذلك كذلك فقد غضب الله عليهم الأمر بعد أن آذوها فإذا قد آذوا رسول الله (ص) بأذاهم إياها وقد آذوا الله عز وجل بأذاهم رسول الله (ص)
صفحة ١١
وإن الله عز وجل يقول (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا الآخرة واعد لهم عذابا مهينا) ورووا مشايخنا أن أمير المؤمنين (ع) قال لأبي بكر حين لم يقبل شهادته يا أبا بكر اصدقني عما أسألك قل قال قال وأخبرني لو أن رجلين احتكما إليك إليك في شئ في يد أحدهما دون الآخر أكنت تخرجه من يده دون أن يثبت عندك ظلمه قال لا، فممن كنت تطلب البينة منهما أو على من كنت توجب اليمين منهما، قال أطلب البينة من المدعي وأوجب اليمين على المنكر قال رسول الله (ص) البينة على المدعي واليمين على المنكر قال أمير المؤمنين عليه السلام أفتحكم فينا بغير ما تحكم به في غيرنا قال فكيف ذلك قال إن الذين يزعمون أن رسول الله (ص) قال ما تركناه فهو صدقة، وأنت ممن له في هذه الصدقة إذا صحت نصيب وأنت فلا تجيز شهادة شريك لشريكه فيما يشاركه فيه وتركة الرسول (ص) بحكم الاسلام في أيدينا إلى أن تقوم البينة العادلة بأنها لغيرنا فعلى من ادعى ذلك علينا أقام البينة ممن لا نصيب له فيما يشهد به علينا وعلينا اليمين فيما ينكره، فقد خالفت حكم الله تعالى وحكم رسوله (ص) إذ قبلت شهادة الشريك في الصدقة وطالبتنا بإقامة البينة على ما ننكره مما ادعوه علينا فهل هذا إلا ظلم وتحامل ثم قال يا أبا بكر أرأيت لو شهد عندك شهود من المسلمين المعتدلين عندك على فاطمة بفاحشة ما كنت صانع، قال كنت والله أقيم عليها حد الله في ذلك، قال له إذا كنت تخرج من دين الله ودين رسول الله (ص) قال لم قال لأنك تكذب الله وتصدق المخلوقين إذ قد شهد الله لفاطمة بالطهارة من الرجس في قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فقلت أنت إنك تقبل شهادة من شهد عليها بالرجس إذ الفواحش كلها رجس وتترك شهادة الله لها بنفي الرجس عنها، فلما لم يجد جوابا قام من مجلسه ذلك وترك عليا عليه السلام.
فانظروا يا أهل الفهم هل جرى في الاسلام بدعة أظلم وأظهر وأفظع وأعظم
صفحة ١٢
وأشنع من طلب ورثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإقامة البينة على تركة الرسول أنها لهم مع شهادة الله لورثة الرسول بإزالة جميع الباطل عنهم وذلك كله بحكم الاسلام في أيديهم وقد رووا أن الرسول (ص) قال نحن أهل بيت لا تحل علينا الصدقة، فيجوز لمسلم أن يتوهم على أهل بيت الرسول عليهم السلام أنهم طلبوا شيئا من الحرام، هذا مع ما أخبرهم الله بتطهيرهم من الرجس كلا، وقد دل القوم أن الرسول (ص) قال ما تركناه فهو صدقة على أن المنازعة جرت بينهم وبين أهل البيت في التركة فلا يخلو أهل بيت الرسول (ع) من أن يكونوا طلبوا الحرام بالباطل فيلزم عند ذلك تكذيب الله تعالى فيما أخبر به من تطهيرهم من ذلك وإما أن يكونوا طلبوا الحق فقد ثبت ظلم من منعهم من حقهم ولا يبعد الله إلا من ظلم وتعدى وغشم هذا مع تكذيب الله لهم فيما ادعوه من صدقة تركة الرسول وأن الأنبياء لا يورثون إذ يقول الله في كتابه (وورث سليمان داود) وقال فيما أخبر به عن زكريا أنه قال (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) فأخبر الله بميراث أنبيائه وزعم واضع الخبر المتخرص أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة) ولعمري لقد كان واضع الخبر ومتخرصه جاهلا كتاب الله إذ لم يعلم ما فيه من تكذيب خبره وذلك من امتنان الله على المؤمنين في كشف باطل المبطل ولو كان واضع الخبر جعل ما تخرصه في تركة الرسول (ص) منسوبا إلى رسولنا خاصة دون غيره من الأنبياء لدخلت شبهة على كثير من الناس العارفين فضلا عن الاعجام وجمهور الأعوام ولكن الله أعمى قلبه وسمعه حتى قال فيما اخترصه من ذلك كله ما يكذبه كتاب الله وقد اضطر جهال من العوام وأهل الجدل في نصرة الظلمة إلى أن قالوا إن سليمان إنما ورث من داود النبوة وكذلك يحيى من زكريا، وهذا منهم غاية الجهل والاختباط والغفلة والإفراط فإن النبوة لو كانت مما يورث لم يكن على
صفحة ١٣
وجه الأرض غير الأنبياء إذا الميراث لا يجوز أن يكون لواحد دون الآخر فأول خلف الله كان نبيا فهو آدم عليه السلام فلو ورث ولده نبوته لوجب أن يكون جميع ولد آدم أنبياء من بعده وكذلك أولاد أولاده إلى يوم القيامة ويلزم أيضا قائل هذا أن يحكم بأن ورثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورثوا نبوته فهم أنبياء من بعده ونسلهم أيضا إلى يوم القيامة، وكفى بهذا لمن بلغ مذهبه إليه خزيا وفضيحة وجهلا، ولا خلاف أن من الأنبياء المتقدمين من كان له أولاد كثير عددهم وكان منهم النبي وغير النبي، وهذه مقالة واضحة الفساد وخارجه من كل وجه من وجوه السداد، ولا يعبد الله إلا من ظلم وقال بما لا يعلم، هذا وقد أجمع أهل الأثر ورواة الخبر أن ما تركه رسول الله (ص) البغلة والسيف والعمامة وأن درعه كانت مرهونة فافتكها أمير المؤمنين (ع) وأخذها إليه مع البغلة والسيف والعمامة فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده وهو من تركة الرسول (ص) فإن كانت التركة كما زعموا صدقة فذلك كله داخل في التركة فكله صدقة والصدقة على أمير المؤمنين عليه السلام حرام بإجماع فهل علي عليه السلام قهرهم وغلبهم عليه ومنعهم وعجزوا عن انتزاعه منه فقد كفر علي عليه السلام وخرج عن دين الاسلام ووجب على جميع الصحابة والمسلمين مجاهدته إذ كان قد استحل ما حرم الله عليه تعمدا وخالف الله جهارا وتركهم لمجاهدته وقصده بالمحاربة بعد هذا الحال منه يوجب عليهم الخروج معه من غير دين الله ودين رسوله (ص) وقد رووا جميعا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال من دينه فاقتلوه ولا يكون في تغير الدين شئ هو أظهر من استحلال الحرام وتحريم الحلال على معرفة ويقين وقد لزمهم في إمساكهم عن محاربته ما لزمه هو أيضا من الذم في ذلك، فهذا بات يوجب على المسلمين كلهم البراءة من جميع المهاجرين والأنصار ومن جاورهم من سائر المسلمين، وكفى بهذا لمن يبلغ به مذهبه إليه خزيا وفضيحة ومقتا وكفرا وإلحادا، فإن كانت الصحابة حابوا عليا عليه السلام
صفحة ١٤
في ذلك فقد أشركونا في الخلاف على الله وعلى رسوله إذ ليس لهم أن يقدموا ولا يؤخروا في الصدقات بعضا على بعض، ولا محيص لذي نظر وتحصيل من هذا الحال فإن زعم جاهل أن رسول الله (ص) جعل ذلك في حياته لعلي عليه السلام في تركاته دون غيره طولب زاعم هذا بخبر معروف مجمع عليه وعلى نقله ومعرفته ولن نجد إلى ذلك سبيلا، هذا ما رووا جميعا أن العباس رافع عليا عليه السلام إلى أبي بكر في مطالبة الميراث من رسول الله (ص) في الدرع والبغلة والسيف والعمامة وزعم أن عم رسول الله (ص) أولى بتركة رسول الله من ابن العم فلو كان الرسول (ص) وهب ذلك لعلي عليه السلام لكان قد ظهر القول بذلك ممن يخبره وقد وقف عليه ولكان علي (ع) يدعي الهبة أيضا والهدية ولنقله الأخبار بذلك، هذا مع ما يلزمهم من الحكم على الرسول (ص) بخيانته لأهل بيته إذ قال ما تركت فهو صدقة ولم يعرف (1) ذلك أهل بيته عليه السلام حتى لا يطالبوا منه شيئا ولا ينازعوا فيه مع تحريمه الصدقة عليه وعليهم، ومن ظن هذا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر بما جاء به الرسول (ص) والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
(ومما ابتدعه) كلامه بالصلاة بعد التشهد وقبل التسليم حسين قال (لا يفعلن خالد ما أمرته به) حتى احتج بذلك قوم من فقهاء العامة يشهرته منه فقالوا لا يجوز الكلام بعد التشهد وقبل التسليم فإن أبا بكر فعل ذلك للضرورة وقال آخرون لا يجوز ذلك فإن أبا بكر قال ذلك بعد أن سلم في نفسه وتنازعوا في اختلافهم في هذا المعنى. فقلنا لهم أما تجويزكم في الصلاة فإنا غير محتاجين إلى منازعتكم فيه لأنا غير آخذين بفعل أبي بكر ولا متبعين له فيه ولكن عرفونا ما الذي دعا أبا بكر إلى أن قال (لا يفعلن خالد ما أمرته به) قبل تسليمه وما هو ولم هو فكانوا في ذلك صما بكما عميا فقالت شيعة آل محمد
صفحة ١٥
عليهم السلام قد علمنا وعلم كل ذي فهم أنه نهاه عن أمر منكر بعد أن أمره به وجهلكم بذلك منه دليل على صحة ما رواه مشايخنا عن أئمتنا عليهم السلام فإنهم قالوا أن أبا بكر كان قد أمر خالدا بقتل أمير المؤمنين عليه السلام إذا هو سلم من صلاة الفجر فلما قام إلى الصلاة ندم على ذلك وخشي أن تهيج عليه فتنة لا يقوم بها فقال قبل أن يسلم لا يفعلن خالد ما أمرته به فكان الأمر منه في ابتدائه لخالد كفرا إذ أمره بقتل مؤمن من غير جرم، وكان كلامه في الصلاة قبل التسليم لنهي خالد عن ذلك مفسدا لصلاته تلك وكان قد لزمه إعادتها ولزم جميع من صلى خلفه كذلك إذ قدروا جميعا أن تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم وليس معهم توقيف من صاحب الشريعة بجواز ذلك وليس عندهم مع هذا لحال رواية بوجه ولا سبب ولا آية ولا القوم أعادوا تلك الصلاة فتركه لإعادة صلاة قد أفسدها يوجب الكفر أيضا (1) وقد رووا جميعا عن الرسول صلوات عليه وآله وسلم أنه قال من ترك صلاة واحدة عامدا متعمدا فقد كفر، وقول من زعم أنه سلم في نفسه قبل أن يتكلم فاسد لأن صلاته عقدها مصليا بالجماعة ولم يكن مصليا بنفسه فغير جائز له أن يستعمل حدا واحدا مما يخالف صلاة المصلي بالجماعة ومن حدود المصلي بالجماعة إظهار التكبيرة والتسليم لا يسعه غير ذلك، ومن ادعى جواز خلاف ذلك من غير توقيف من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو جاهل ولا حجة في شئ من أقاويل أهل الجهل، ومن عدل عن هذا الذي ذكرنا من حدود الجماعة فصلاته فاسدة يجب عليه إعادتها ويجب على كل من صلى خلفه إعادة صلاته تلك التي أفسدها إمامهم، هذا مع روايتهم جميعا أنه قال بعد قوله لا يفعلن خالد ما أمرته به (السلام عليكم) فما الذي عني بذلك التسليم بعد ذلك الكلام المفسد للصلاة، ثم رووا جميعا بخلاف تلك الرواية أنه قال في وقت
صفحة ١٦
وفاته ثلاث فعلتها ووددت أني لم أفعلها، وثلاث لم أفعلها وودت أني فعلتها وثلاث أهملت السؤال عنها ووددت أن أسأل رسول الله (ص) عنها، ثم اختلف أولياؤه في تأويل ما فعل وما لم يفعل ولم يختلفوا في السؤال فأهملنا ذكر ما اختلفوا فيه وقصدنا ذكر ما أجمعوا عليه طلبا للنصفة وتحريا للحق فزعموا أنه قال وددت أني سألت رسول الله عن الكلالة ما هي وعن الجد ما له من الميراث وعن هذا الأمر لمن هو فكان لا ينازع فيه فيا ويل أهل الجهل والويل حل بهم هل الرسول بلغ الشريعة بالتمام والكمال أم لم يبلغ ذلك فبلغ البعض وأهمل البعض والله تعالى يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) والتبليغ لا يكون إلا بالتفسير فإن كان أبو بكر أهمل السؤال والصحابة جميعا عن ذلك الشئ أليس كان يلزم الرسول ص تعريفهم ذلك فلم يكن في الصحابة كلها أحد سمع تفسير ذلك من رسول الله بالتبليغ إلى من كان، أليس هذا القول منه يوجب تعطيل الشريعة وخروج الرسول (ص) من حدود الرسالة إذ لم يبلغ ما أمره الله تعالى بتبليغه أوليس قد دل بقوله أنه لم يعرف الأمر لمن هو على أنه قد دخل فيما لم يكن له فإنه لو كان له لكان قد علمه ولما لم يعلم ذلك كان جهله به دليلا على أنه لا حق له فيه ووجب عليه أن لا يدخل في أمر هو لغيره وإن كان لا يعرف صاحبه.
(ومن بدعه) أنه لما استتب الأمر له قطع لنفسه أجرة على ذلك من بيت مال الصدقات في كل يوم ثلاثة دراهم وهذا من أظهر الحرام فأكل الحرام تعمدا وخلافا على الله وعلى رسوله ص مصرا عليه غير نادم فيه ولا تائب عنه إلى أن مات بغير خلاف فيه وذلك أن أبواب أموال الشريعة معلومة كل باب منها مفروض من الله ومن رسوله لقوم بأعيانهم لا يحل لأحد أن يأكل منه حبة واحدة حتى يصير نصيب كل واحد منهم في يده إذ لم يجعل الله ولا الرسول إليهم ولا لأحد منهم الحكم فيه ولا في شي، منه
صفحة ١٧
وإنما الحاكم فيه عليهم غيرهم وهو كان الرسول (ص) ثم من مقامه من أوصيائه من بعده، وقد أوضحنا من البيان في المستحقين لمقام الرسول ص في كتاب الأوصياء ما فيه كفاية ومقنع للأديب، ولسنا نجد من أبواب الأموال في الشريعة بابا يصلح أن يؤخذ فيه أجرة وذلك أن أبواب الأموال في الشريعة من خمسة وجوه لا سادس لها (فمنها) أبواب الصدقات على صنوفها من كيلها ووزنها وعدها وقد جعل الله ذلك فريضة لثمانية أصناف من المسلمين في قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) فكل صنف من هؤلاء الثمانية فله شئ معلوم منها على قدر الكفاية يدفع الإمام إليه ذلك ليس له الحكم في سواء (ومنها) مصالحة أهل الذمة على ما في أيديهم من الأموال والأرضين وذلك لاحق بوجوه الصدقات وذلك لأن هذا الصلح وضع عليهم عوضا من الصدقات إذ لا يجوز أن يؤخذ الزكاة من أهل الكفر فمن أسلم منهم زال عنه وجه الصلح ووجب عليه فريضة الصدقات التي هي الزكاة ولذلك صار الصلح لاحقا بوجوه الصدقات ولأهلها دون غيرهم فسبيل الحكم فيها سبيل ما شرحناه من حال الحكم في الصدقات (ومنها) الجزية والأمة فيها في ذلك على قولين فالعامة تقول إنها تجري مجرى الصدقات والشيعة تقول إنها لأهل مكة خاصة أغناهم الله به عوضا عن منع المشركين من الدخول إليهم والتجارات معهم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن يشاء إن الله عليم حكيم.
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فأغنى الله أهل مكة بالجزية فجعلها لهم خاصة وكلا الوجهين يحرم على كل واحد أن يأخذ منهما أو من أحدهما أجرة
صفحة ١٨
ولا غيرها غير من جعل الله ذلك لهم ولم يملك الله تعالى من جعلها لهم ولا رسوله الحكم في شئ منها إلى أن يصير في أيديهم نصيبهم منها (ومنها) الغنائم التي يجاهدون عليها المسلمون فيأخذونها من أيدي الكفار وهي في قول العامة (1) لمن يجاهد عليها من جميع المسلمين دون غيرهم، وفي قول أهل البيت عليهم السلام للمهاجرين والأنصار وأبناؤهم وأبناء أبنائهم إلى يوم القيامة دون غيرهم، وليس لأحد من أهل القولين الحكم في شئ منها إلى يصير نصيبه منها في يده (ومنها) المعادن والركازات وهي الكنوز الموجودة المذخورة واستخراج جواهر البحر ونحوها، والأمة في ذلك على قولين فالعامة تقول إن ذلك للعامل عليه وفيه وليس لأحد أن يأخذ منه شيئا إلى أن يبلغ ما يلزمه فيه الزكاة فيخرج منه عند ذلك الزكاة المفروضة، والشيعة يقولون إنه للعامل عليه وفيه إذا هو عمل في ذلك كله بأمر الإمام وإن عمل بغير أمره فالأمر فيه إلى الإمام إن شاء أخذه كله وإن شاء دفع إلى العامل فيه منه ما أحب وإذا عمل فيه بإذن الإمام كان فيما يرزق فيه من قليل أو كثير الخمس يخرجه الإمام فإذا بلغ نصيبه عنده بعد الخمس مبلغ الزكاة أخرج زكاته على نحو ما يجب من حكم ذلك وهذا ما لا يجوز لأحد أخذ أجرة منه لأنه للعاملين فيه دون غيرهم فجميع ما وصفناه من أبواب الأموال في الشريعة إنما هو لقوم من المسلمين دون قوم منهم والإمام المنتصب بأجرة يجب أن تكون أجرته على جميع المسلمين لو قد كان أخذها جائزا في دين الشريعة فإن أخذها مال قوم دون قوم فقد ظلم أولئك واعتدى عليهم فجميع ما أخذه من بعده من الأجرة فذلك حرام من الله ورسوله وعقوبة ذلك كله في عنق
صفحة ١٩