الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار
محقق
سالم محمد عطا، محمد علي معوض
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢١ - ٢٠٠٠
مكان النشر
بيروت
فَهَذَا قَوْلُ دَاوُدَ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَمَا أَرَى هَذَا الظَّاهِرِيَّ إِلَّا قَدْ خَرَجَ عَنْ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - وَخَالَفَ جَمِيعَ فِرَقِ الْفُقَهَاءِ وَشَذَّ عَنْهُمْ وَلَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ أَخَذَ بِالشَّاذِّ مِنَ الْعِلْمِ
وَقَدْ أَوْهَمَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ لَهُ سَلَفًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ تَجَاهُلًا مِنْهُ أَوْ جهلا فذكر عن بن مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مَرْيَمَ ٥٩ قَالُوا أَخَّرُوهَا عَنْ مَوَاقِيتِهَا قَالُوا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِكُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا وَلَا يَقُولُونَ بقتله إذا كان مقرى بِهَا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ قَضَى الصَّلَاةَ فَقَدْ تَابَ مِنْ تَضْيِيعِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه ٨٢
وَلَا تَصِحُّ لِمُضَيِّعِ الصَّلَاةِ تَوْبَةٌ إِلَّا بِأَدَائِهَا كَمَا لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ إِلَّا بِأَدَائِهِ
وَمَنْ قَضَى صَلَاةً فَرَّطَ فِيهَا فَقَدْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
وَذُكِرَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَفِّفِينَ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُطَفِّفَ قَدْ يَكُونُ الَّذِي لَمْ يُكْمِلْ صَلَاتَهُ بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَحُدُودِهَا وإن صلاها في وقتها
وذكر عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا
وَكَذَلِكَ نَقُولُ لَا صَلَاةَ لَهُ كَامِلَةٌ كَمَا لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ
وَمَنْ قَضَى الصَّلَاةَ فَقَدْ صَلَّاهَا وَتَابَ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِهِ فِي تَرْكِهَا وَكُلُّ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجَّةٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ خِلَافُ مَا تَأَوَّلَهُ وَاللَّهَ أَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ
وَأَمَّا فَزَعُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَانَ فَزَعًا مِنْهُ وَإِشْفَاقًا وَحُزْنًا عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا بِالنَّوْمِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَى بُلُوغِ الْغَايَةِ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا فَزِعَ حِينَ قَامَ إِلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَكَانَ فَزَعُ أَصْحَابِهِ فِي انْتِبَاهِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حُكْمَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ فِي رَفْعِ الْمَأْثَمِ عَنْهُ وَإِبَاحَةِ الْقَضَاءِ لَهُ
وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا
1 / 82