"وعلم الفروع" كي يصحح العبادات بما علمه من علم الفقه ولأنه عرضة يسأله المأمومون في الأحكام فيجيبهم عن حقيقة ويهديهم بنور الشريعة إلى صراط مستقيم لا يهرف ويخبط خبط عشواء في أمور الدين بجهالاته كأغلب الخطباء والأئمة اليوم فرحماك اللهم رحماك. "واللغة العربية" وبالأخص علم الإنشاء كي يقتدر على تأليف كلام بليغ وتنسيق درر مضيئة يشرق نور أسرارها على أفئدة السامعين، فيسحرهم ببديع لفظه ويختلب ألبابهم بجواهر آيات وعظه. "وأن يكون نبيهًا" كي لا تعزب عليه شاردة إلا أحصاها ولا واردة إلا استقصاها ولينظر بمنظار التأمل والانتقاد ويغوص في بحار الشريعة فيستخرج لآلئ الأحكام ودررها من غير ما يعتريها تشويه ولا يشوبها كلل، "وإن يكون لسنًا" فصيحًا منطلق اللسان معبرًا عما يخطر بباله من المعاني الكامنة في ضميره يبرز ما انطوت عليه السريرة من جليل النصائح وجميل الإرشادات مما يكفل السعادة للعباد، "ووجيهًا" تهابه القلوب وتجله العيون وتعظمه النفوس يهابه الصغير ويوقره الكبير حتى يكون لكلامه تأثير ويجد له سميعًا يعي ما يقال ويعمل بما يسمع، "وصالحًا" تقيا مهذبا ورعا قنوعًا زاهدًا غير متجاهر بمعصية ولا متلبسًا بمخالفة يفعل ما يقول فإن ذلك أدعى إلى قبول الموعظة منه. قال الشاعر الحكيم أبو الأسود الدؤلي ﵁:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي العنا ... كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... ابدا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
وهناك يقبل ما تقول ويشتفى ... بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ولله الأمر في عباده بفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وإلى الله المصير١.
_________
١ قلت: لقد فات المصنف رحمه الله تعالى أن يضم إلى الشروط المذكورة شرطًا آخر مهمًا أخل به كافة الخطباء في عامة البلدان مع الأسف، ألا وهو أن يكون عالمًا بالسنة عارفًا بما صح فيها مما لم يصح، حتى لا يكون سببًا لإذاعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس، فيضل ويضلوا به، وما أكثر الأحاديث الواهية التي ينشرونها بمناسبة بعض المواسم المبدعة وغيرها.
1 / 69