وكذلك أهل الكتاب لهم في الأمصار الواسعة عدة معابد بنسبة الحاجة إليها يؤمونها في أيامهم المعروفة فقول الأنصار ﵃ فيما تقدم "أن لأهل الكتاب يومًا يجتمعون فيه ... إلخ" يتنزل على ما هو المعروف والمألوف.
أما في هذه الأزمنة فقد أفرط في تعدد الجمعة إفراطًا كادت تخرج به الجمعة عن موضوعها ففي مثل دمشق أوشك أن لا يبقى مسجد ولو في حارة إلا ويقام فيه جمعة وكثير من المساجد الصغيرة في أيامنا جدد لها منابر بتمويه الحاجة إليها مما يقسم الأمة تقسيمًا يرثى له، ولا حاجة في كثير منها. وقد يؤذن المؤذن في بعضها أذان المنارة ولم يكمل صف من المصلين، وأعرف مسجدًا صغيرًا جدًّا أحدثت له جمعة وبني له منبر كالكرسي لا يتسع ما أمامه إلا لصف واحد، ووراء هذا الصف ممر لبركة ماء وبيت خلاء متلاصقين عن يسار المنبر رغب في إحداث التجميع فيه بعض المثرين لمأرب ظاهره ذلك وباطنه إنقاذ ابنه من الخدمة العسكرية بإخراج براءة له فيه.
مثل هذه المساجد الصغيرة كانت معدة لغير الجمعة لعاجز أو مريض أو تاجر أو صانع ممن لا يقدر أن يتجاوز محلته فأصبح كثير من المتصولحين الذين غاب عنهم محذورات تقطيع الجمعة والجماعات يتبرعون بتشييد منابر لها على ضيقها وربما نقبوا مأذنة من الحائط على الجادة ورتبوا مؤذنًا إلحاقا لهذا الصغير بالجوامع الكبيرة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا ولا يتذكرون ما نجم عن ذلك من اشتماله على عدة بدع:
١- إحداث ما لم يحدثه الواقف.
٢- مضادة الواقف إذ أوقفه لمعنى حميد فصرف لوجه آخر.
٣- أخذ فراغ مصلي أو أكثر بواسطة المنبر المحدث.
٤- إعداد ما لم يوضع للجمعة لصغره لها.
٥- تفريق المؤمنين بصرفهم عن الجوامع الكبيرة والسعي إليها ليتعارفوا من الأطراف.
٦- أداء عبادة مختلف في صحتها.
٧- سن سنة مبتدعة ليحتذى على مثالها ويتسع الخرق كما وقع، إلى مفاسد أخرى. قال السبكي في فتاويه: إن هذه المفاسد كان المقتضى لها حدوث جوامع.
1 / 60