وهو أن نقول هذا الشخص رجله داخلة في نعله أو نقول هو منتعل ولا معنى لكونه منتعلًا إلا أنه ذو نعل وما يظن من أن قيام العلم بالذات يوجب للذات حالة تسمى عالمية، هوس محض، بل العلم هي الحالة، فلا معنى لكونه عالمًا إلا كون الذات على صفة وحال تلك الصفة الحال وهي العلم فقط، ولكن من يأخذ المعاني من الألفاظ فلا بد أن يغلط.
فإذا تكررت الألفاظ بالاشتقاقات فاشتقاق صفة العالم من لفظ العلم أورث هذا الغلط، فلا ينبغي أن يغتر به. وبهذا يبطل جميع ما قيل وطول من العلة والمعلول وبطلان ذلك جلي بأول العقل لمن لم يتكرر على سمعه ترديد تلك الألفاظ، ومن علق ذلك بفهمه فلا يمكن نزعه منه إلا بكلام طويل لا يحتمله هذا المختصر. والحاصل هو أنا نقول للفلاسفة والمعتزلة: هل المفهوم من قولنا عالم عين المفهوم من قولنا موجودًا وفيه إشارة إلى وجود وزيادة. فإن قالوا لا، فإذًا كل من قال هو موجود عالم، كأنه قال هو موجود وهذا ظاهر الاستحالة، وإذا كان في مفهومه زيادة فتلك الزيادة هل هي مختصة بذات الموجود أم لا؟ فإن قالوا لا فهو محال إذ يخرج به عن أن يكون وصفًا له وإن كان مختصًا بذاته فنحن لا نعني بالعلم إلا ذلك وهي الزيادة المختصة بالذات الموجودة الزائدة على الوجود التي يحسن أن يشتق للموجود بسببه منه اسم العالم، فقد ساعدتم على المعنى وعاد النزاع إلى اللفظ، وإن أردت إيراده على الفلاسفة قلت: مفهوم قولنا قادر مفهوم قولنا عالم أم غيره؟ فإن كان هو ذلك بعينه فكأنا قلنا قادر قادر، فإنه تكرار محض، وإن كان غيره فإذا هو المراد فقد أثبتم مفهومين أحدهما يعبر عنه بالقدرة والآخر بالعلم ورجع الإنكار إلى اللفظ.
فإن قيل: قولكم أمر مفهومه عين المفهوم من قولكم آمر وناه ومخبر أو غيره، فإن كان عينه فهو تكرار محض، وإن كان غيره فليكن له كلام هو أمر وآخر هو نهي وآخر هو خبر. وليكن خطاب كل شيء مفارقًا لخطاب غيره. وكذلك مفهوم قولكم إنه عالم بالأعراض أهو عين مفهوم قولكم إنه عالم بالجواهر أو غيره؟ فإن كان عينه فليكن الإنسان العالم بالجوهر عالمًا بالعرض بعين ذلك العلم، حتى يتعلق علم واحد بمتعلقات مختلفة لا نهاية لها، وإن كان غيره فليكن لله علوم مختلفة لا نهاية لها وكذلك الكلام والقدرة والإرادة وكل صفة لا نهاية لمتعلقاتها ينبغي أن لا يكون لأعداد تلك الصفة نهاية، وهذا محال، فإن جاز أن تكون صفة واحدة تكون هي الأمر وهي النهي وهي الخبر وتنوب عن هذه المختلفات جاز أن تكون صفة واحدة تنوب عن العلم والقدرة والحياة وسائر الصفات. ثم إذا جاز ذلك جاز أن تكون الذات بنفسها
1 / 76