بالضرورة، فإن حركة اليد مثلًا بالضرورة تولد حركة الخاتم، وحركة اليد في الماء تولد حركة الماء، وهو مشاهد، والعقل أيضًا يدل عليه إذ لو كانت حركة الماء والخاتم بخلق الله تعالى لجاز أن يخلق حركة اليد دون الخاتم وحركة اليد دون الماء، وهو محال، وكذا في المتولدات مع انشعابها.
فنقول: ما لا يفهم لا يمكن التصرف فيه بالرد والقبول، فإن كون المذهب مردودًا أو مقبولًا بعد كونه معقولًا. والمعلوم عندنا من عبارة التولد أن يخرج جسم من جوف جسم كما يخرج الجنين من بطن الأم والنبات من بطن الأرض، وهذا محال في الأعراض؛ إذ ليس لحركة اليد جوف حتى تخرج منه حركة الخاتم ولا هو شيء حاو لأشياء حتى يرشح منه بعض ما فيه، فحركة الخاتم إذا لم تكن كامنة في ذات حركة اليد فما معنى تولدها منها؟ فلا بد من تفهيمه، وإذا لم يكن هذا مفهومًا فقولكم إنه مشاهد حماقة، إذ كونها حادثة معها مشاهد لا غير، فأما كونها متولد منها فغير مشاهد، وقولكم إنه لو كان بخلق الله تعالى لقدر على أن يخلق حركة اليد دون الخاتم وحركة اليد دون الماء فهذا هوس يضاهي قول القائل لو لم يكن العلم متولدًا من الإرادة لقدر على أن يخلق الارادة دون العلم أو العلم دون الحياة، ولكن نقول: المحال غير مقدور ووجود المشروط دون الشرط غير معقول، والارادة شرطها العلم والعلم شرطه الحياة وكذلك شرط شغل الجوهر لحيز فراغ ذلك الحيز، فإذا حرك الله تعالى اليد فلا بد أن يشغل بها حيزًا في جوار الحيز الذي كانت فيه، فما لم يفرغه كيف يشغله به؟ ففراغه شرط اشتغاله باليد، إذ لو تحرك ولم يفرغ الحيز من الماء بعدم الماء أو حركته لاجتمع جسمان في حيز واحد وهو محال، فكان خلو أحدهما شرطًا للآخر فتلازما فظن أن أحدهما متولد من الآخر وهو خطأ فأما اللازمات التي ليست شرطًا فعندنا يجوز أن تنفك عن الاقتران بما هو لازم لها، بل لزومه بحكم طرد العادة كاحتراق القطن عند مجاورة النار وحصول البرودة في اليد عند مماسة الثلج، فإن كل ذلك مستمر بجريان سنة الله تعالى، وإلا فالقدرة من حيث ذاتها غير قاصرة عن خلق البرودة في الثلج والمماسة في اليد مع خلق الحرارة في اليد بدلًا عن البرودة. فإذًا ما يراه الخصم متولدًا قسمان:
أحدهما شرط فلا يتصور فيه إلا الاقتران، والثاني ليس بشرط فيتصور فيه غير الاقتران إذ خرقت العادات.
فإن قال قائل لم تدلوا على بطلان التولد ولكن أنكرتم فهمه وهو مفهوم، فإنا لا نريد به ترشح الحركة من الحركة بخروجها من جوفها ولا تولد برودة من برودة الثلج بخروج البرودة من الثلج وانتقالها أو بخروجها من ذات البرودة، بل نعني به
1 / 59