الإقناع في مسائل الإجماع
[المجلد الأول]
تأليف
الإمام الحافظ أبي الحسن ابن القطان
(٥٦٢ - ٦٢٨هـ)
يطبع لأول مرة على نسخة خطية فريدة
تحقيق
حسن فوزي الصعيدي
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
1 / 1
مقدمة الناشر
1 / 5
مقدمة المحقق
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
كتاب الإيمان
باسمك اللهم استفتحت وبالصلاة على نبيك استنجحت، وبحمد جلالك ابتدائي ما بدأت، وبشكر أفضالك اختتام ما ختمت.
أبواب الإجماع في الإيمان
ذكر الإيمان ما هو
١ - وأجمع أهل السنة من السلف والخلف أن جبريل ﵇ جاء إلى النبي ﷺ بحضرة أصحابه فقال له: ما الإسلام؟ فقال ﵇: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتحج البيت - في الحديث الطويل - فقال صدقت. قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره وغير ذلك، فقال: صدقت. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تره فهو يراك. ثم انصرف ونحن نعجب من تصديقه ﵇ فقال لهم النبي ﷺ بعد أمره لهم بطلبه بعد انصرافه فلم يجدوه: «هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم».
1 / 33
٢ - وأجمعوا أن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاءت به رسله، وكتبه فريضة واجبة على المكلفين من عباده.
٣ - وأجمعوا أن الإيمان قول وعمل ونية مع إصابة السنة.
٤ - والمؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبكل ما جاءت به الرسل ثبت له عقد الإيمان باتفاق الجميع.
٥ - وأجمعوا أن المؤمن بالله تعالى وسائر ما دعاه النبي ﷺ إلى الإيمان به لا يخرجه عن إيمانه شيء، ولا يحبط إيمانه إلا الكفر.
ذكر صفة كمال الإيمان
٦ - وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأتبرأ من كل دين خالف الإسلام. وهو بالغ صحيح العقل أنه مسلم، فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدًا.
واختلفوا فيمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولم يزد على ذلك.
ذكر الإيمان يزيد وينقص ومن ارتكب كبيرة
٧ - وأجمعوا على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
٨ - وأجمعوا على أن الإيمان يزيد، ومما هو إجماع أو كالإجماع أن الإيمان ينقص، وهو قول القدوة من أئمة أهل السنة. ومن مذاهبهم أن زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية، وأنه يقوى بالعلم، ويضعف بالجهل.
1 / 34
٩ - وأجمع المسلمون من أهل السنة أن مؤمني أهل القبلة الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وبجميع ما أمر الله تعالى ورسوله بالإيمان به، غير خارجين من الإسلام بكبائرهم، ولا مكفرين بها.
١٠ - وأجمعوا أن أحكام الإسلام جارية على القاتل والزاني وشارب الخمر وسائر الكبائر، مخاطبون باسم الإيمان مشتملة عليهم أحكامه.
١١ - وأجمع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين الدارجين من المسلمين أن المؤمن مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، غير كافر بها.
١٢ - وأجمعوا على جواز الصلاة على كل من مات من أهل القبلة، وإن أذنب أي ذنب كان، ولا يحجب الاستغفار ولا الدعاء عن أحد من المسلمين من أهل الكبائر غير المبتدعين الملحدين.
١٣ - وأجمعوا أنه لا يقطع على أحد من عصاة القبلة في غير البدع بالنار، ولا على أحد من أهل الطاعة بالجنة إلا من قطع عليه رسول الله ﷺ بذلك.
١٤ - وأجمعوا أن العصاة من أهل القبلة مأمورون بسائر الشرائع غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم.
ذكر الإيمان بالله سبحانه وصحيح الاعتقاد
١٥ - وأجمع السلف والخلف من أهل السنة أن العالم بما فيه من أجسامه وأعراضه محدث لم يكن ثم كان.
١٦ - وأجمعوا أن لجميعه محدثا واحدًا اخترع أعيانه وأحدث جواهره وأعراضه.
١٧ - وأجمعوا أنه تعالى لم يزل قبل أن يخلقه واحدًا حيًا عالمًا قادرًا مريدًا سميعًا بصيرًا، له الأسماء الحسنى والصفات العلى.
١٨ - وأجمعوا أنهم عرفوا ذلك بما نبههم الله عليه وبين لهم رسول الله ﷺ وجه الدلالة فيه.
1 / 35
١٩ - وأجمعوا أنه تعالى غير مشبه به من العالم.
٢٠ - وأجمعوا أنه تعالى لم يزل موجودًا، قادرًا عالمًا، مريدًا سميعًا، بصيرًا، متكلمًا على ما وصف به نفسه في كتابه وأخبرهم به رسوله، ودلت عليه أفعاله.
٢١ - وأجمعوا أن وصف بذلك [...] شبهه بمن وصف به من خلقه.
٢٢ - والأمة مجمعة على وجوب معرفة الله سبحانه.
٢٣ - واتفق المسلمون على أن (اعتوار) الحوادث وتعاقبها على العالم دليل حدثها، وأنها لما كانت زائلة كان ذلك أمارة على حدوثها، ولا ينكر هذا مسلم.
ذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلى
٢٤ - وأجمع أهل السنة وجمهور المعتزلة أن أسماء الله تعالى لا تؤخذ قياسًا ولا لغة، بل يتبع فيها الإذن، والإطلاق من قبل الله سبحانه، لا يجوز على ذلك الزيادة ولا النقصان أصلًا، وأهل اللغة لا يفرقون بين الرحيم والرحمن، كما لا يفرقون بين النديم والندمان، ثم قيل لله سبحانه: رحم رحمن مع وجود الرحمة في غير حقيقة وصحة، وصفة على المبالغة.
٢٥ - وأجمعت الأمة من تخصيص هذا الوصف لله سبحانه يعلم أن الأمر فيه يجري على ما ذكرنا، ويقولون في اللغة: فلان جواد وفلان سخي، ولا يفرقون بينهما، وكل من قالوا فيه أنه سخي قالوا فيه أنه جواد.
٢٦ - وأجمعوا على وصف الله سبحانه بأنه جواد.
٢٧ - ثم أجمعوا على منع وصفه بأنه سخي، فعلم أنهما يفترقان، لا من جهة المعنى بل من جهة اللفظ، وأن أحدهما مما أطلقته الأمة وأجمعت عليه دون الآخر، فلذلك ساغ هذا دون ذلك، ولا يمكن الفصل بين الأمرين، إلا أن
1 / 36
أحدهما مما أجمعت عليه الأمة دون الآخر، وأن أحدهما قد استأثر الله بتسميته نفسه بذلك دون صاحبه، فعلم بهذا أن أسماء الله وأوصافه مأخوذة من طريق التوقيف الوارد بالكتاب والسنة والإجماع.
٢٨ - فإن قيل: ألستم تقولون: إنه قديم؟! فهل ورد بذلك توقيف؟ قيل: هذا إجماع. فإن قيل: أليس جهم يخالف في ذلك؟ قيل: إن جهمًا مسبوق بالإجماع، وعد قوله هذا بدعة؛ لأنه خالف الإجماع.
٢٩ - وأجمعوا على أن اشتقاق الأسامي والأوصاف من كل أفعاله غير حاصل.
٣٠ - وأجمعوا على أن اشتقاق بعضها من بعض حاصل، والتمييز بينها مقصور على التوقيف الوارد في الكتاب والسنة.
ذكر انقسام الأسماء والصفات
وأسماء الله تعالى وصفاته تنقسم أقسامًا فمنها ما أجمعوا عليه أنها من صفات الذات، ومنها ما أجمعوا عليه أنها من صفات الفعل عند القائلين بها، ومنها ما اختلفوا فيه؛ فمن قائل أنها من صفات الذات، ومن قائل أنها من صفات الفعل.
٣١ - فأما ما أجمعوا عليه أنها من صفات الذات فنحو وصفنا له أنه قديم إله واحد.
٣٢ - وما أجمعوا عليه أنه من صفات الفعل فنحو وصفنا أنه خالق الخلق ورازقهم، المنعم عليهم والمفضل المجمل.
وأما الذي اختلفوا فيه: هل هو من صفات الذات أو من صفات الفعل، فنحو وصفنا بأنه عالم، وكذلك وصفه بأنه متكلم مريد، وكذلك الرحمة والرضا.
ذكر قسمة أخرى باعتبار آخر
وأسماء الله تعالى وصفاته تنقسم أيضًا أقسامًا؛ فمنها ما أجمع أهل الملة على تسميته بذلك من المطلقين له الأسماء، ومنها ما أجمعوا على نفيه مما هي أسماء
1 / 37
المخلوقات، ومنها ما اختلفوا فيه.
٣٣ - فأما الذي أجمعوا على تسميته رب، اختلفوا في معانيه ضروبًا من الاختلاف مبتاينة.
ثم بعد ذلك فمن أسماء الله تعالى ما ورد به توقيف الكتاب، ومنها ما وردت به السنة، ومنها ما أجمعت عليه الأمة، فأما الذي ثبت من ذلك من جهة السنة فعلى ضروب منها ما يمكن القطع به، ومنها ما لا يمكن القطع به من طريق السند، ولكن الأمة أجمعت عليه أو على معناه، ومنها ما ورد في جهة الأحاد، فلا يمكن القطع به، وإن كان مجوزًا.
فإن قيل: هل تعتمدون على ما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ في أسماء الرب وصفاته؟ - وهو ما رواه عن النبي ﷺ أنه قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة» - قيل: هذا خبر مروي مشهور عند النقلة، وإليه يرجعون في أسماء الرب، فما [...] فيه الكتاب أو متواتر السنة أو إجماع الأمة فهو مقطوع به وما لم يكن كذلك فإنه مجوز على المعنى الصحيح في وصف، غير مقطوع به أنه من أوصافه وأسمائه، وكذلك سائر ما ورد به الخبر على هذا الحد.
ذكر ما أجمع عليه منها
وقوله تعالى: ﴿هل تعلم له سميا﴾، قال أهل التفسير: لم يتسم بالله سواه، وهو اسم موضوع غير مشتق.
٣٤ - قالوا: لو كان مشتقا لسمي به من كان موصوفًا بتلك الصفة أو بعضها. قالوا: والدليل على أنه اسم موضوع إجماعهم على أنه أشرف الأسامي وأعظمها.
1 / 38
٣٥ - وأجمعوا أنه لا يسمى به غيره.
٣٦ - وأجمعوا أنه سبحانه لم يزل إلهًا ولا يزال إلهًا، ولم يكن إلهًا لفعل فعله ولا لفعل فعله غيره، ولا لوصف من أوصاف فعله الرحمن الرحيم [...].
٣٧ - ووجدنا الله سبحانه قد سمى نفسه شيئًا في نص كتابه حيث يقول: ﴿قل أي أكبر شهادة﴾، فدل بذلك على أنه شي، وهو إجماع الأمة. ولما خالف فيهم جهم بعد مضي عصرين من الإسلام، وأهل كل عصر مجمعون عليه، فجهم محجوج بإجماعهم.
٣٨ - وأجمعوا على أنه قديم لم يزل.
٣٩ - وأما وصفه سبحانه بالنفس، فإنه مما ورد به نص الكتاب؛ قال الله تعالى: ﴿كتب على نفسه الرحمة﴾، والمراد بالنفس الذات والوجود، وهو نفس موجود عين ذات، ولا يعرف في ذلك خلافًا.
٤٠ - فإن قيل: فهل ورد لفظ التوقيف بأنه موجود في الكتاب أو السنة، قيل: هو إجماع الأمة، وإجماع الأمة إحدى الطرق في إثبات أسمائه، فإن قيل: أليس جهم والباطنية يمنعون من ذلك، قيل: إن قولهما بدعة، والإجماع قد سبقهما، وقد أنكر أهل العلم على جهم ذلك عند إظهاره له، والإجماع قد سبقه في عصر المتقدمين قبله.
٤١ - ولما أجمعوا على وصفه بأنه قديم، لا ابتداء لوجوده، كان ذلك منهم إجماعًا على أنه موجود؛ لأنه لا يصح وصفه بالقدم إلا ما سبق وصفه بالوجود. ووصفنا له سبحانه بأنه قديم أجرى هذا الوصف عليه عندنا ما خرجه من الإجماع. ومعناه عند أصحابنا فيه خلاف.
٤٢ - واتفق أرباب الحقائق على أن القديم سبحانه لا يحول ولا يزول عن وصف القدم إذًا، وحكم القديم أنه يجب له الوجود ويستحيل عليه العدم،
1 / 39
وزوال الواجب محال.
٤٣ - وأجمع العقلاء ممن أثبت الصانع ومن نفاه أن ما وجب له القدم استحال عليه العدم.
٤٤ - وأجمعت الأمة على أنه قديم أزلي.
٤٥ - فإن قيل: هل يجيزون وصفه بأنه دهري أو عادي، قيل: لا يجوز وصفه بشيء من ذلك، إلا بما وصف به نفسه أو أجمعت عليه الأمة.
٤٦ - ووصفنا له سبحانه أنه قائم بنفسه، هذا اللفظ في أوصافه سبحانه يجب أن يكون مأخوذًا من طريق الإجماع؛ لأن الكل قد أجمعوا على وصفه بأنه قائم بنفسه.
٤٧ - ووصفنا له بأنه باقٍ مما أجمعت عليه الأمة وتواتر به نقل السنة، وهو معنى وصفنا له بأنه دائم الوجود.
٤٨ - ووصف الله سبحانه بأنه عالم أجمع المسلمون ومن يعد خلافه معهم بأسرهم على أن الله سبحانه عالم عليم، أعلم من كل عالم، وبه ورد نص الكتاب والسنة، وأجمعت عليه الأمة.
٤٩ - وأجمعوا على وصفه بأنه متين، ووصفه سبحانه بأنه مريد.
الأصل في ذلك الشرع الوارد بإطلاقه في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
٥٠ - ووصف الله سبحانه بأنه سميع بصير، قد صح بإجماع الأمة.
٥١ - ووصفه بذلك ورد به الكتاب، وجاءت به السنة، وإنما اختلفوا في تأويله ومعناه، والفرق بين السامع والمبصر.
٥٢ - ووصفنا الله سبحانه بأنه متكلم، قائل، مكلم، آخر، ناه، مخبر، مستخبر، لا نعرف خلافًا بين المتكلمين والفقهاء في وجوب وصف الله سبحانه الآن بأنه متكلم، آمر، ناهٍ، مكلم، قائل، مخبر، مستخبر، إلا ما يحكى عن الإسكافي أنه كان يأبى لفظ متكلم، ويقول: إنه على وزن متفعل.
ذكر كلامه تعالى وما يقرأ منه ويتلى
٥٣ - وأجمعوا على أن كلام الله ﷿ مكتوب في الدفتر ليس بحال فيه.
1 / 40
٥٤ - وكذلك قالوا في كل كلام أنه يكتب ويحفظ ويسمع، إلا أن كلام الله باقٍ، وكلام غيره عرض لا يبقى.
٥٥ - وأجمعوا على أن كلام الله ﷿ ليس بحروف ولا أصوات، وأنه يقرأ بالحروف، ويسمع بالعبارات على أنه شيء قرئ بهذه العبارة المخصوصة على لغة مخصوصة، وقع الفهم به للسامع، فقيل له: عربي، ومنزل على لغة العرب.
واختلف في الطريقة التي يعلم بها بأنه سبحانه متكلم، فمن قائل: طريق ذلك العقل، ومن قائل: طريقه الخبر، فمن قال طريقه الخبر يقول: أجمع المسلمون على ذلك، ووردت أخبار الرسل في الكتب بمثله، ومن يقول طريقه العقل قال: لما كان وصفه بالسكوت والخرس والآفة محالًا؛ علم أنه إنما استعمال ذلك لوجوب وصفه بالكلام.
٥٦ - وأجمعت الأمة على أن من قرأ القرآن وتلاه أن الأصوات المسموعة أصوات القارئ التالي.
٥٧ - والأمة مجمعة على أن القراءة من فعل القارئ وكسبه، وأنها طاعة في بعض الأحوال، معصية في بعضها، مثاب أو معاقب.
٥٨ - وأجمعت الأمة على ندب القارئ في الصلاة الجهرية إلى رفع صوته بقراءته على الوجه المعلوم.
٥٩ - واتفق العقلاء على استحالة بقاء الأصوات مع اختلافهم في بقاء سائر الأعراض، فلا يتقرر إثبات صوت قديم أصلًا.
٦٠ - واتفق أهل الحق على قدم كلام الله تعالى.
٦١ - واتفقت الأمة على وحدانيته تعالى، فلو قامت به أصوات متضادة لكان ذلك اجتماع المتضادات في الموجود الواحد.
٦٢ - وجميع المسلمين صائرون إلى وجوب العلم بأن القرآن كلام الله تعالى.
٦٣ - واتفق المسلمون أن القرآن من كلام الله.
٦٤ - وأجمع أهل الحق والسنة والجماعة أن أمره الذي هو قوله وكلامه غير
1 / 41
محدث ولا مخلوق.
ذكر بقية الأسماء والصفات
٦٥ - ووصفنا له سبحانه بأنه على عظيم، وأنه أعلى وأعظم، وأنه متعالي، وأنه كبير، وأكبر، ومتكبر، ورد به نص القرآن، وثبت بالإجماع أن الوصف لله سبحانه بأنه علي، والأعلى، والمتعالي، وأنه عظيم، والأعظم واجب، وكذلك الكبير، والأكبر، والمتكبر، وأكبر.
٦٦ - ووصفنا له سبحانه بأنه الملك المالك لا خلاف بين المسلمين في إطلاق هذه الأوصاف عليه، وقد ورد بذلك الكتاب.
واختلفوا بعد ذلك، فمنهم من قال: إنه من صفات الفعل، ومنهم من قال بأنه من صفات الذات.
٦٧ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الأول والآخر والظاهر والباطن، هذه الأوصاف ورد بها نص القرآن وأجمعت عليها الأمة، واختلفوا في معنى ذلك.
٦٨ - ووصفنا لله سبحانه بأنه العدل البر، هذه التسمية مما قد أجمعت عليه الأمة. وقد ورد نص القرآن بأنه البر الرحيم.
٦٩ - ووصفنا له سبحانه بأنه النور الحق المبين، قد ورد به نص الكتاب، وأجمعت عليه الأمة.
٧٠ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الشهيد الرقيب، هذان الوصفان ورد بهما نص القرآن، وأجمع المسلمون كلهم على وصفه بذلك.
٧١ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الوكيل الحسيب، هذا الوصفان ورد بهما نص القرآن، وأجمعت الأمة عليهما.
وحكي عن القرظي أنه كان يأبى ذلك ويقول: إن إطلاق ذلك يوهم الخطأ، وأنه كوكيل القوي والحوائج، وذلك لا يليق بوصفه.
٧٢ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الهادي والرشيد، فأما وصفه بأنه الرشيد فقد وردت به السنة، وجاء بهما جميعًا نص القرآن، وأجمعت عليهما الأمة.
1 / 42
٧٣ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الديان مما ورد به الخبر، وأجمعت عليه الأمة.
٧٤ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الداعي المجيب المستجيب مما ورد به القرآن وأجمعت عليه الأمة.
٧٥ - ووصفه سبحانه بأنه الخافض الرافع، قد وردت الأخبار بأن الله تعالى يخفض ويرفع، وأجمعوا على إطلاق القول بأنه خافض رافع، معناهما يقارب معنى المعز والمذل.
٧٦ - ووصف الله سبحانه بأنه المقدم والمؤخر، وهذا مما أجمع المسلمون على جواز وصفه بذلك.
٧٧ - ووصف الله سبحانه بأنه الرازق والرزاق ورد بذلك نص القرآن، وهو إجماع أيضًا.
٧٨ - ووصف الله جل ذكره بأنه الوهاب والواهب وأنه المعطي والمغني والمانع والمبقي والمغني، كل هذه الأوصاف مما ورد في الخبر، ومنها ما ورد به نص القرآن، وعلى ذلك أجمعت الأمة.
٧٩ - ووصفنا لله سبحانه بأنه الباعث الوارث ورد بذلك نص القرآن، وهو إجماع الأمة، لا نعرف فيه خلافًا.
٨٠ - ووصف الله سبحانه بأنه القاضي ورد بذلك نص القرآن، وأجمعت عليه الأمة.
٨١ - ووصف الله جل ذكره بأنه المقدر، وصف نفسه بذلك في كتابه، وهو إجماع أيضا من كل المذاهب على اختلافها.
٨٢ - ووصفنا له سبحانه بأنه الجامع، وصف نفسه بذلك في كتابه، وأجمع عليه المسلمون.
٨٣ - ووصف الله جل ذكره بأنه الممتحن، أجمع الجميع على أنه تعالى امتحن عبيده بأمره ونهيه.
٨٤ - وأجمعوا أن صافته تعالى لا تشبه صفات المحدثين، كما أن نفسه لا تشبه نفس المخلوقين.
1 / 43
ذكر أحكام بعض الصفات
٨٥ - وأجمعوا على إثبات حياة لله تعالى لم يزل بها حيًا، وعلم لم يزل به عالمًا، وقدرة لم يزل بها قادرًا، وكلام لم يزل به متكلمًا، وإرادة لم يزل بها مريدًا، وسمع وبصر لم يزل بهما سميعًا بصيرًا.
٨٦ - وأجمعوا أن شيئا من هذه الصفات لا يصح أن يكون محدثًا.
٨٧ - وأجمعوا على أن أمره تعالى وقوله غير محدث ولا مخلوق.
٨٨ - وأجمعوا أنه تعالى يسمع ويرى.
٨٩ - وأجمعوا أن لله يدين مبسوطتين.
٩٠ - وأجمعوا أن الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن تكون جوارح.
٩١ - وأجمعوا أن يديه تعالى غير نعمتيه.
٩٢ - وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا، لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين، ويعذب منهم من يشاء كما قال، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال.
٩٣ - وأجمعوا أنه تعالى يرضى من الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم.
٩٤ - وأجمعوا أنه يحب التوابين، ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء.
٩٥ - وأجمعوا أنه تعالى فوق سمواته.
٩٦ - وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه، ولا تكييف له، وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم.
٩٧ - وأجمعوا على أن الواحد منا يستحيل أن يتصف بصفة الله تعالى، ومن
1 / 44
زعم ذلك فقد خرق الإجماع.
ذكر الملائكة المقربين الحفظة الكرام الكاتبين
٩٨ - واتفقوا أن الملائكة حق.
٩٩ - واتفقوا أن جبريل وميكائيل ملكان رسولان لله ﷿، مقربان عظيمان عند الله تعالى.
١٠٠ - واتفقوا أن الملائكة كلهم مؤمنون فضلًا.
١٠١ - وأجمع المسلمون أن الملائكة مجبولون على طاعة الله ﷿، معصومون من الغلط والخلاف على الله.
١٠٢ - وأجمعوا على أن للعباد حفظة يكتبون أعمالهم.
ذكر الإيمان بالجن
١٠٣ - وأجمع المسلمون من أهل السنة على الإيمان بالجن، وعلى أن لهم ثوابًا وعليهم عقاب، وعلى أنهم مأمورون مكلفون.
١٠٤ - وأجمعوا على أن الشياطين أمكنهم الله تعالى من أن يتحول أحدهم وينتقل من حال إلى حال، فيتمثل مرة في صورة، ثم مرة في أخرى، ومرة يصل إلى السماء فيسترق السمع، ومرة يصل إلى قلب ابن آدم يوسوس، ومرة يجري من ابن آدم مجرى الدم.
١٠٧ - وأجمعوا على أن الإيمان بأن الشياطين تتخبط من بني آدم من سلطها الله عليه و[...] كما شاء وكيف شاء.
1 / 45
ذكر القرآن العظيم والذكر الحكيم
١٠٨ - واتفقوا أن القرآن المتلو الذي هو في المصحف [بأيدي النسا في] شرق الأرض وغربها من أول ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ إلى آخر ﴿قل أعوذ برب الناس﴾، هو كلام الله ﷿ ووحيه الذي أنزله على نبيه ﷺ مختارًا له من الناس.
١٠٩ - واتفقوا على أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفًا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة [نقل الكافة] أو نقص منه حرفًا أو بدل منه حرفًا مكان حرف [وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى] متعمدًا لذلك عالمًا بأنه خلاف ما فصل؛ فإنه كافر.
١١٠ - واتفقوا ألا يكتب في المصحف متصلا بالقرآن ما ليس من القرآن.
١١١ - واتفقوا أن ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ آية من القرآن في سورة النمل.
١١٢ - واتفقوا أنها [ليست في أول براءة] وأنها لا تكتب هناك.
١١٣ - واتفقوا أن النبي ﵇ [دعا] العرب قاطبة إلى أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فعجزوا عنه كلهم.
1 / 46
ذكر النبيين [..]
١١٤ - واتفقوا أن كل نبي ذكر في القرآن فهو حق، كآدم وإدريس، وموسى ونوح، وهود وصالح، وشعيب ويونس، و[إبراهيم] وإسماعيل، وإسحاق ويعقوب، ويوسف وهارون، وداود وسليمان، وإلياس واليسع، ولوط وزكريا ويحيى وعيسى، وأيوب وذا الكفل.
واختلفوا في نبوة مريم وأم موسى وأم إسحاق.
١١٥ - واتفقوا أن عيسى عبد الله مخلوق من غير ذكر، لكن في بطن مريم [وهي بكر].
١١٦ - وأجمع المسلمون على أن الله تعالى خص آدم ﵇ بأن خلقه بيده وأسجد له ملائكته وجعله أبًا [...] وكذلك خص إبراهيم ﵇ بأن اتخذه خليلًا من بين أهل الأرض فأخله - أي: اقتطعه واختصه من بينهم بالمحبة - وكذلك موسى ﷺ بأنه أسمعه جل وعز كلامه الذي هو من صفات ذاته، وأنه بغير واسطة، وكذلك خص عيسى ﵇ [...] من غير أب وأنطقه في المهد، وجعله يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموت بإذن الله. وكذلك اختص محمدًا ﷺ بأي القرآن العظيم والذكر الحكيم، المعجز الذي ليس في قدر المخلوقين الإتيان بمثله، ولو تظاهر على ذلك الإنس والجن، وبأن جعله خاتم [...] للمذنبين من الأولين والآخرين، وبأن أرسله إلى الخلق أجمعين، وخصه بالحوض المورود، والكوثر الممدود.
1 / 47
١١٧ - وأجمع المحققون [...] الأمة وخلفها قاطبة على ثبوت عصمة النبيين عن جملة الكبائر.
١١٨ - واختلفوا في جواز بدور الصغائر منهم، والجمهور ذاهب إلى أنهم معصومون عن الصغائر، كما عصموا عن الكبائر.
١١٩ - وأجمع المسلمون أن العصمة لا تجب للصحابة.
ذكر محمد ﷺ
١٢٠ - واتفقوا أن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله ﷺ إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة.
١٢١ - واتفقوا أنه لا نبي بعده ﵇.
١٢٢ - واتفقوا أنه ﷺ مات بيثرب وأن قبره بها، وأنه نكح النساء [وأولد] وأنه كان عبدًا لله تعالى مخلوقًا من ذكر وأنثى، ويأكل ويجوع، ويصح ويمرض، وأنه ﵇ بقي بالمدينة عشر سنين نبيًا [ورسولًا] وبمكة مثلها نبيًا رسولًا.
واختلفوا هل بقي بمكة أكثر أم لا.
١٢٣ - واتفقوا أنه مذ مات ﵇ وانقطع الوحي، وكمل الدين [واستقر، و] لا يحل لأحد أن يزيد في الدين شيئًا من رأيه بغير استدلال منه، ولا أن ينقص منه شيئًا ولا أن يبدل شيئًا مكان شيء، ولا أن يحدث
1 / 48
شريعة [وأن من فعل] ذلك كافر.
١٢٤ - واتفقوا أنه ﷺ وأصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلى حين البعث مع جميع الناس.
١٢٥ - وأجمعوا أن النبي ﷺ دعا جميع الخلق إلى معرفة الله، وإلى نبوته، ونهاهم عن الجهل بالله تعالى، وعن تكذيبه.
١٢٦ - وأجمعوا أنه ﵇ بين لهم [...] دعاهم إليه من الأحكام والإيمان، وما رغبهم فيه من منازل الإحسان، وأنه ﵇ لم يؤخر عنهم بيان شيء مما دعاهم إليه [...] تكليفهم فعله بما يوجبه تأخير ذلك عنهم عن سقوط تكليفهم له، وإنما جوزت فرقة تأخير البيان فيما أجمله الله من الأحكام قبل [...] لهم فأما تأخير ذلك عن وقت فعله فغير جائز عند كافتهم.
١٢٧ - وأجمعوا على الإيمان بأن النبي ﷺ أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به إلى السموات العلى، وعلى أن الله ﷿ فرض عليه الصلوات هنالك، وعلى أنه لقي آدم وإبراهيم [...] وعيسى وإدريس ﵈، على ما أتى في الأثر لا يعارض ذلك بفعل ولا يطعن فيه برد، قال ﵇: «فعرج بي حتى ظهرت [لمستوى أسمع] فيه صريف الأقلام».
١٢٨ - وأجمعوا على أن الإسراء الذي فرضت فيه الصلاة كان بمكة، ومما هو إجماع أو كالإجماع أن النبي ﷺ [...] بجسمه وروحه لا
1 / 49