أما بعد:
فقد وقفتُ - تولى الله عصمتكم، وأحسن هدايتكم وتوفيقكم - على ما
ذكرتموه من شدة حاجتكم إلى الكلام في نقل القُرآن، وإقامة البرهان على
استفاضة أمره وإحاطة السلف بعلمه، وانقطاع العُذر في نقله وقيام الحُجة
على الخلق به، وإبطال ما يدعيه أهلُ الضلال، من تحريفه وتغييره ودخول
الخَلَل فيه، وذهاب شيءٍ كثيرٍ منه، وزيادة أمور فيه، وما يدّعيه أهلُ الإلحاد
وشيعتُهم من منتحلي الإسلام، من تناقُض كثيرٍ منه، وخلوّ بعضه من
الفائدة، وكونه غير متناسب، وما ذكروه من فساد النظم، ودخول اللحن
فيه، وركاكة التكرار، وقلة البيان، وتأخّر المقدم، وتقديم المؤخر، إلى غير
ذلك من وجوه مطاعنهم، وذكر جُمَلٍ مما رُوي من الحروف الزائدة.
والقراءات المخالفة لمصحف الجماعة، والإبانة عن وَهَاءِ نقل ذلك
وضعفه، وأن الحجة لم تقم بشيءٍ منه، وعرفت ما وصفتموه من كثرة
استطراد الضعفاء بتمويههم وعظم موقع الاستبصار والانتفاع ببعضِ
شبههم، ونحن بحول الله وعونه نأتي في ذلك بجُمَلٍ تزيل الريبَ والشبهة.
وتوقف على الواضحة، ونبدأ بالكلام في نقل القرآن وقيام الحجة به.
ووصف توفّر هِمَمِ الأمة على نقله وحياطته، ثم نذكر ابتداء أبي بكر رضي
الله عنه لجمعه على ما أنزل عليه بعد تفرقه في المواضع التي كتب فيها.
وفي صدور خلقٍ حفظوا جميعه، وخلق لم يحيطوا بحفظ جميعه، واتباع
عمرَ ﵁ والجماعة له على ذلك، وصوابه فيما صنعه، وسبقُه إلى
الفضيلة به، والسبب الموجب لذلك، ثم نذكر جمع عثمان ﵁
الناس على مصحفٍ واحد، وحرف زيد بن ثابت، ونبين أنه لم يقصد في
ذلك قصد أبي بكر في جمع القرآن في صحيفةٍ واحدةٍ على ترتيب ما أوحي
1 / 56