وعلى ما ادعوه كان يقتضي أن لا يحكم لأحد بالإسلام إلا بنفسه، فنسخ ذلك بحصوله بإسلام أبيه. وهذا الجواب عندي [غير] مرضي، لأن هذه الآية لا يرفع حكمها بمثل هذا وإن كان مرويا عن ابن عباس، لأن قول الصحابي الواحد لا ينسخ القرآن، ويؤيد هذا أن الآية خبر، والخبر لا يدخله النسخ وإن ذهب إلى جوازه جماعة من مفسري السلف، فإن الفقهاء على خلافه، وإذا أمكن الجمع بين الاثنين لم يبق لدعوى النسخ معنى، وطريق الجمع بينهما أنا نقول: إنما دخل الأبناء الجنة على التبعية لآبائهم على الإسلام، لا أنهم دخلوها بأعمال آبائهم، لكن أكرم أبناؤهم بهم كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله -عز وجل- ليرفع أبناء المؤمن يوم القيامة إلى درجته وإن قصروا عن عمله ليقر بهم عينه)). وقرأ هذه الآية: {واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم}. فإذا أسلم الكافر صار ابنه الصغير مسلما تبعا لأبيه حكما من غير نسخ لقوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، وكذلك ولد الكافر الطفل كافر بحكم التبعية لأبيه، ولا يكون ذلك ناسخا لقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، بل الآيتان محكمتان، ومقتضى إحكامهما: العقل والحكمة، وهما الغاية القصوى في وصف الله تعالى بالعدل في الإنسان: لا يظلم فيما سعى، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
صفحة ٧٩