الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب.
محقق
عبد اللطيف بن محمد الجيلاني المغربي.
الناشر
أضواء السلف
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧هـ / ١٩٩٧م.
مكان النشر
السعودية.
تصانيف
الفقه
٤ - وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]⦗١٧٧⦘وَيَخْتِمُهَا بِالتَّسْلِيمِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: رِجَالُ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ، لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُهُ عَنْهَا إِرْسَالٌ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَرَى إِسْقَاطَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ رَأَى أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ قِرَاءَتُهَا وَقِرَاءَةُ غَيْرِهَا دُونَهَا فِي الصَّلَاةِ وَيُجِيزُ أَنْ تُفْتَحَ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ ⦗١٧٨⦘ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهَا الَّتِي تُفْتَتَحُ بِهَا الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَوَاتِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ إِنَّمَا يُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَهَا فَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا بِمَا كَانَ مِثْلَهُ، قَالُواَ: وَإِنَّمَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] يَعْنِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اسْمٌ لِسُورَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ اسْمٌ لَهَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: يَفْتَتِحُ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وَلَمْ تَقُلْ: دُونَ أَنْ يَقْرَأَ ⦗١٧٩⦘ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ " ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] " لَمْ تُفِدِ السَّامِعَ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مُثْبَتَةٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا: هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ أَوْ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ كَاخْتِلَافِهِمْ هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِنَّمَا قَصَدَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا إِلَى الْإِعْلَامِ بِالسُّورَةِ الَّتِي يَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلَاةَ، وَأَخْبَرَتْ بِأَيِّ السُّوَرِ تُفْتَتَحُ قِرَاءَةُ الصَّلَاةِ بِكَلَامٍ رَفَعَتْ فِيهِ الْإِشْكَالَ، فَقَصَدَتْ إِلَى مَا فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ مِمَّا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي غَيْرِهَا فَكَانَ قَوْلُهَا: بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] كَمَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَقُلْ: بِسُورَةِ التَّوْبَةِ، أَوْ قَالَ: كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَلَمْ يَقُلْ: بِسُورَةِ النُّورِ، أَوْ قَالَ: كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ ⦗١٨٠⦘ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا، وَلَمْ يَقُلْ: بِالْعَنْكَبُوتِ، أَوْ بِـ ق، أَوْ بِـ يس، أَوْ ص، أَوْ بِـ ن وَالْقَلَمِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ ﵂: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وَلَمْ تَقُلْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ إِلَى إِعْلَامِ السَّامِعِ بِالسُّورَةِ الَّتِي يَفْتَتِحُ بِهَا قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ فَسَمَّتْهَا بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُسْقِطُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَا مَا يُثْبِتُهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ: كَانَ يَفْتَتِحُ بِـ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، أَوْ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، أَوْ الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ، أَوْ ن وَالْقَلَمِ، وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُرْفَعُ احْتِمَالُهُ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ نَزَعَ بِهِ فِي سُقُوطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مُتَغَايِرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمُتَضَادَّةٌ تَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ ⦗١٨١⦘ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْهَا مَنْ رَأَى سُقُوطَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمِنْ ذَلِكَ
1 / 176