إملاء ما من به الرحمن
محقق
إبراهيم عطوه عوض
الناشر
المكتبة العلمية- لاهور
مكان النشر
باكستان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم محب الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى | رحمه الله تعالى ، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره :
الحمد لله الذي وفقنا لحفظ كتابه ، وأوقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه ، | وألهمنا تدبر معانيه ووجوه إعرابه ، وعرفنا تفنن أساليبه من حقيقته ومجازة وإيجازه | وإسهابه . أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، | شهادة مؤمن بيوم حسابه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبرز في لسنه وفصل خطابه ، | ناظم حبل الحق بعد انقضابه ، وجامع شمل الدين بعد انشعابه ، صلى الله عليه وعلى آله | وأصحابه ، ما استطار برق في أرجاء سحابه ، واضطرب بحر بآذيه وعبابه .
أما بعد : فإن أولى ما عنى باغى العلم بمراعاته ، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته ، | ما كان من العلوم أصلا لغيره منها ، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها ، | وذلك هو القرآن المجيد ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من | حكيم حميد ، وهو المعجز الباقي على الأبد ، والمودع أسرار المعاني التي لا تنفد ، وحبل | الله المتين ، وحجته على الخلق أجمعين .
فأول مبدوء به من ذلك تلقف ألفاظه عن حفاظه ، ثم تلقى معانيه ممن يعانيه ، | وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه ، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه ، | معرفة إعاربه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه ، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن | الأئمة الإثبات .
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ، مختلفة ترتيبا وحدا ؛ فمنها المختصر حجما | وعلما ، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر ، وخلط الإعراب بالمعاني ، وقلما تجد فيها | مختصر الحجم كثير العلم ، فلما وجدتها على ما وصفت ، أحببت أن أملى كتابا يصغر | حجمه ويكثر علمه ، أقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات ، فأتيت به على | ذلك ، والله أسأل أن يوفقني فيه لإصابة الصواب ، وحسن القصد به بمنة وكرمه .
إملاء ما من به الرحمن من الإعراب | 1 |
صفحة ١
اعراب الاستعإذة
أعوذ أصله اعوذ بسكون العين وضم الواو مثل اقتل فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين وبقيت ساكنة ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ وهذا تعليم والتقدير فيه قل اعوذ والشيطان فيعال من شطن يشطن إذا بعد ويقال فيه شاطن وتشطين وسمي بذلك كل متمرد لبعد غوره في الشر وقيل هو فعلان من شاط يشيط إذا هلك فالتمرد هالك بتمرده ويجوز ان يكون سمي بفعلان لمبالغته في اهلاك غيره والرجيم فعيل بمعنى مفعول اي مرجوم بالطرد واللعن وقيل هو فعيل بمعنى فاعل اي يرجم غيره بالاغواء
اعراب التسمية
الباء في (
﴿بسم﴾
) متعلقة بمحذوف فعند البصريين المحذوف مبتدأ والجار والمجرور خبره والتقدير ابتدائي بسم الله اي كائن باسم الله فالباء متعلقة بالكون والاستقرار وقال الكوفيون المحذوف فعل تقديره ابتدأت أو أبدأ فالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف وحذفت الألف من الخط لكثرة الاستعمال فلو قلت لا سم الله بركة أو باسم ربك اثبت الألف في الخط وقيل حذفوا الألف لأنهم حملوه على سم وهي لغة في اسم ولغاته خمس سم بكسر السين وضمها واسم بكسر الهمزه وضمها وسمى مثل ضحى والأصل في اسم سمو فالمحذوف منه لامه يدل على ذلك قولهم في جمعه أسماء وأسامي وفي تصغيره سمى وبنوا منه فعيلا فقالوا فلان سميك اي اسمه كاسمك والفعل منه سميت وأسميت فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره وقال الكوفيون أصله وسم لأنه من الوسم وهو العلامة وهذا صحيح في المعنى فاسد اشتقاقا
فإن قيل كيف أضيف الاسم إلى الله والله هو الاسم
قيل في ذلك ثلاثة أوجه أحدها ان الاسم هنا بمعنى التسمية والتسمية غير الاسم لأن الاسم هو اللازم للمسمى والتسمية هو التلفظ بالاسم والثاني ان في الكلام حذف مضاف تقديره باسم مسمى الله والثالث ان اسم زيادة ومن ذلك قوله
( إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ) قول الآخر
( داع يناديه باسم الماء
أي السلام عليكما ونناديه بالماء )
صفحة ١
والأصل في الله الالاه فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة ثم سكنت وأدغمت في اللام الثانية ثم فخمت إذا لم يكن قبلها كسرة ورققت إذا كانت قبلها كسرة ومنهم من يرققها في كل حال والتفخيم في هذا الاسم من خواصه وقال أبو علي همزة الاه حذفت حذفا من غير إلقاء وهمزة الاه أصل وهو من اله يأله إذا عبد فالاله مصدر في موضع المفعول أي المألوه وهو المعبود وقيل أصل الهمزة واو لأنه من الوله فالاله تتوله إليه القلوب أي تتحير وقيل أصله لاه على فعل وأصل الألف ياء لأنهم قالوا في مقلوبه لهي أبوك ثم أدخلت عليه الألف واللام الرحمن الرحيم صفتان مشتقتان من الرحمة والرحمن من أبنية المبالغة وفي الرحيم مبالغة أيضا الا ان فعلانا ابلغ من فعيل وجرهما على الصفة والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف وقال الأخفش العامل فيها معنوي وهو كونها تبعا ويجوز نصبهما على إضمار أعنى ورفعهما على تقدير هو
سورة الفاتحة
الجمهور على رفع الحمد بالابتداء ولله الخبر واللام متعلقة بمحذوف أي واجب أو ثابت ويقرأ الحمد بالنصب على انه مصدر فعل محذوف أي أحمد الحمد والرفع أجود لأن فيه عموما في المعنى ويقرأ بكسر الدال اتباعا لكسرة اللام كما قالوا المعيرة ورغيف وهو ضعيف في الآية لأن فيه اتباع الإعراب البناء وفي ذلك ابطال للإعراب ويقرأ بضم الدال واللام على اتباع اللام الدال وهو ضعيف أيضا لأن لام الجر متصل بما بعده منفصل عن الدال ولا نظير له في حروف الجر المفردة الا أن من قرأ به فر من الخروج من الضم إلى الكسر وأجراه مجرى المتصل لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده والرب مصدر رب يرب ثم جعل صفة كعدل وخصم وأصله راب وجره على الصفة أو البدل وقرىء بالنصب على إضمار أعنى وقيل على النداء وقرىء بالرفع على إضمار هو العالمين جمع تصحيح واحده عالم والعالم اسم موضوع للجمع ولا واحد له في اللفظ واشتقاقه من العلم عند من خص العالم بمن يعقل أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات وفي الرحمن الرحيم الجر والنصب والرفع وبكل قرىء على ما ذكرناه في رب
صفحة ٥
قوله تعالى ( / ملك يوم الدين / ) يقرأ بكسر اللام من غير ألف وهو من عمر ملكه يقال ملك بين الملك بالضم وقرىء بإسكان اللام وهو من تخفيف المكسور مثل فخذ وكتف وإضافته على هذا محضة وهو معرفة فيكون جره على الصفة أو البدل من الله ولا حذف فيه على هذا ويقرأ بالألف والجر وهو على هذا نكرة لأن اسم الفاعل إذا اريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرف بالاضافة فعلى هذا يكون جره على البدل لا على الصفة لأن المعرفة لا توصف بالنكرة وفي الكلام حذف مفعول تقديره مالك امر يوم الدين أو مالك يوم الدين الامر وبالاضافة لي يوم خرج عن الظرفية لأنه لا يصح فيه تقدير في لأنها تفصل بين المضاف والمضاف إليه ويقرأ مالك بالنصب على أن يكون بإضمار أعني أو حالا وأجاز قوم أن يكون نداء ويقرأ بالرفع على إضمار هو أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من رفع الرحمن ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرا ويقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل ويوم مفعول أو ظرف والدين مصدر دان يدين
قوله تعالى (
﴿إياك﴾
الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء وقرىء شاذا بفتح الهمزة والاشبه ان يكون لغة مسموعة وقرىء بكسر الهمزة وتخفيف الياء والوجه فيه انه حذف احدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة وقد جاء ذلك في الشعر قال الفرزدق
( تنظرت نصرا والسماكين أيهما
على مع الغيث استهلت مواطره )
وقالوا في أما ايما فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف وايا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها ولا تكون اسما لأنها لو كانت اسما لكانت ايا مضافة إليها والمضمرات لا تضاف وعند الخليل هي اسم مضمر أضيفت ايا إليه لأن ايا تشبه المظهر لتقدمها على الفعل والفاعل ولطولها بكثرة حروفها وحكى عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فأباه وايا الشواب وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وهذا بعيد لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب فيقال إياي وإياك وإياه وقال قوم الكاف اسم وإيا عماد له وهو حرف وموضع إياك نصب بنعبد
فان قيل إياك خطاب والحمد لله على لفظ الغيبة فكان الاشبه ان يكون إياه
قيل عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة وسيمر بك من ذلك مقدار صالح في القرآن
صفحة ٦
قوله تعالى (
﴿نستعين﴾
) الجمهور على فتح النون وقرىء بكسرها وهي لغة وأصله نستعون نستفعل من العون فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها
قوله تعالى (
﴿اهدنا﴾
) لفظه أمر والامر مبني على السكون عند البصريين ومعرب عند الكوفيين فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء وعند الكوفيين هو علامة الجزم وهدى يتعدى إلى مفعول بنفسه فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ومنه هذه الآية وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى (
﴿هداني ربي إلى صراط مستقيم﴾
) وجاء متعديا باللام ومنه قوله تعالى (
﴿الذي هدانا لهذا﴾
)
و ( / السراط / ) بالسين هو الأصل لأنه من سرط الشيء إذا بلعه وسمي الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الاطباق والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الاطباق ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا لأن الزاي والسين من حروف الصفير والزاي أشبه بالطاء لأنهما مجهورتان ومن اشم الصاد زايا قصد ان يجعلها بين الجهر والاطباق وأصل (
﴿المستقيم﴾
) مستقوم ثم عمل فيه ما ذكرنا في نستعين ومستفعل هنا بمعنى فعيل أي السراط القويم ويجوز أن يكون بمعنى القائم اي الثابت وسراط الثاني بدل من الاول وهو بدل الشيء وهما بمعنى واحد وكلاهما معرفة والذين اسم موصول وصلته أنعمت والعائد عليه الهاء والميم والغرض من وضع الذي وصف المعارف بالجمل لأن الجمل تفسر بالنكرات والنكرة لا توصف بها المعرفة والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة ألا ترى أن من و ما معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة والأصل في الذين اللذيون لأن واحده الذي الا ان ياء الجمع حذفت ياء الأصل لئلا يجتمع ساكنان والذين بالياء في كل حال لأنه اسم مبني ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو وفي الجر والنصب بالياء كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع وبالياء في الجر والنصب وفي الذي خمس لغات إحداها الذي بلام مفتوحة من غير لام التعريف وقد قرىء به شاذا والثانية الذي بسكون الياء والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال والرابعة حذف الياء وإسكان الذال والخامسة بياء مشددة
صفحة ٧
قوله تعالى (
﴿غير المغضوب﴾
) يقرأ بالجر وفيه ثلاثة أوجه أحدها أنه بدل من الذين والثاني أنه بدل من الهاء والميم في عليهم والثالث أنه صفة للذين
فإن قلت الذين معرفة وغير لا يتعرف بالاضافة فلا يصح أن يكون صفة له ففيه جوابان أحدهما أن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالاضافة كقولك عجبت من الحركة غير السكون وكذلك الامر هنا لأن المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان والجواب الثاني أن الذين قريب من النكرة لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالاضافة فكل واحد منهما فيه ابهام من وجه واختصاص من وجه ويقرأ غير بالنصب وفيه ثلاثة أوجه أحدها أنه حال من الهاء والميم والعامل فيها أنعمت ويضعف أن يكون حالا من الذين لأنه مضاف إليه والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال وقد قيل انه ينتصب على الحال من الذين ويعمل فيها معنى الاضافة والوجه الثاني أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء والميم والثالث أنه ينتصب بإضمار أعنى والمغضوب مفعول من غضب عليه وهو لازم والقائم مقام الفاعل عليهم والتقدير غير الفريق المغضوب ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل ولذلك لم يجمع فيقال الفريق المغضوبين عليهم لأن اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة (
﴿ولا الضالين﴾
) لا زائدة عند البصريين للتوكيد وعند الكوفيين هي بمعنى غير كما قالوا جئت بلا شيء فأدخلوا عليها حرف الجر فيكون لها حكم غير وأجاب البصريون عن هذا بأن لا دخلت للمعنى فتخطاها العامل كما يتخطى الألف واللام والجمهور على ترك الهمز في الضالين وقرأ أيوب السختياني بهمزة مفتوحة وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو ضال ودابة وجان والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين
فصل
صفحة ٨
وأما آمين فاسم للفعل ومعناها اللهم استجب وهو مبنى لوقوعه موقع المبني وحرك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين والفتح فيها أقوى لأن قبل الياء كسرة فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين وقيل ( ? آمين ? ) اسم من أسماء الله تعالى وتقديره يا آمين وهذا خطأ لوجهين أحدهما أن أسماء الله لا تعرف الا تلقيا ولم يرد بذلك سمع والثاني أنه لو كان كذلك لبني على الضم لأنه منادى معرفة أو مقصود وفيه لغتان القصر وهو الأصل والمد وليس من الابنية العربية بل هو من الابنية الاعجمية كهابيل وقابيل والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة فنشأت الألف فعلى هذا لا تخرج عن الابنية العربية $ فصل في هاء الضمير نحو عليهم وعليه وفيه وفيهم
وإنما أفردناه لتكرره في القرآن الأصل في هذه الهاء الضم لأنها تضم بعد الفتحة والضمة والسكون نحو انه وله وغلامه ويسمعه ومنه وإنما يجوز كسرها بعد الياء نحو عليهم وأيديهم وبعد الكسر نحو به وبداره وضمها في الموضعين جائز لأنه الأصل وإنما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة وبكل قد قرىء
فأما عليهم ففيها عشر لغات وكلها قد قرىء به خمس مع ضم الهاء وخمس مع كسرها فالتي مع الضم إسكان الميم وضمها من غير إشباع وضمها مع واو وكسر الميم من غير ياء وكسرها مع الياء وأما التي مع كسر الهاء فإسكان الميم وكسرها من غير ياء وكسرها مع الياء وضمها من غير واو وضمها مع الوا والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير فالميم لمجاوزة الواحد والألف دليل التثنية نحو عليهما والواو للجمع نظير الألف ويدل على ذلك أن علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو عليهن فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين الا أنهم حذفوا الواو تخفيفا ولا لبس في ذلك لأن الواحد لا ميم فيه والتثنية بعد ميمها ألف وإذا حذفت الواو سكنت الميم لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع نحو ضربهم ويضربهم فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن الميم فلما ذكرنا ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ثم قلب الواوياء لسكونها وانكسار ما قبلها ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها ومن كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء ومن ضم الهاء قال ان الياء في عليه حقها أن تكون ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر وليست الياء أصل الألف فكما أن الهاء تضم بعد الألف فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ فأما كسر الهاء واتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف أما جوازه فلخفاء الهاء بينت بالاشباع وأما ضعفه فلأن الهاء خفية والخفي قريب من الساكن والساكن غير حصين فكأن الياء وليت الياء وإذا لقي الميم ساكن بعدها جاز ضمها نحو عليهم الذلة لأن أصلها الضم وإنما أسكنت تخفيفا فإذا احتيج إلى حركتها كان الضم الذي هو حقها في الأصل أولى ويجوز كسرها اتباعا لما قبلها
صفحة ٩
وأما فيه ويليه ففيه الكسر من غير إشباع وبالاشباع وفيه الضم من غير إشباع وبالاشباع وأما إذا سكن ما قبل الهاء نحو منه وعنه وتجدوه فمن ضم من غير إشباع فعلى الأصل ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها
سورة البقرة
قوله تعالى (
﴿الم﴾
) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذي في قال ولام يعبر بها عن الحرف الاخير من قال وكذلك ما أشبهها والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه وهي مبنية لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشيء وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها فهي كالاصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب
وفي موضع الم ثلاثة أوجه أحدها الجر على القسم وحرف القسم محذوف وبقي عمله بعد الحذف لأنه مراد فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر والثاني موضعها نصب وفيه وجهان أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لأفعلن والناصب فعل محذوف تقديره التزمت الله أي اليمين به والثاني هي مفعول بها تقديره اتل الم والوجه الثالث موضعها رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر
صفحة ١٠
قوله عز وجل (
﴿ذلك﴾
ذا اسم اشارة والألف من جملة الاسم وقال الكوفيون الذال وحدها هي الاسم والألف زيدت لتكثير الكلمة واستدلوا على ذلك بقولهم ذه امة الله وليس ذلك بشيء لأن هذا الاسم اسم ظاهر وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه ويدل على ذلك قولهم في التصغير ذيا فردوه إلى الثلاثي والهاء في ذه بدل من الياء في ذي وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه وقيل هي بدل من ها الا تراك تقول هذا وهذاك ولا يجوز هذلك وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك وقيل ذلك ها هنا بمعنى هذا وموضعه رفع اما على أنه خبر الم والكتاب عطف بيان ولا ريب في موضع نصب على الحال أي هذا الكتاب حقا أو غير ذي شك واما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولا ريب حال ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولا ريب فيه الخبر وريب مبنى عند الاكثرين لأنه ركب مع لا وصير بمنزلة خمسة عشر وعلة بنائه تضمنه معنى من إذ التقدير لا من ريب واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفي الجنس الا ترى أنك تقول لا رجل في الدار فتنفي الواحد وما زاد عليه فإذا قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر
وقوله (
﴿فيه﴾
) فيه وجهان أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقديره لا ريب كائن فيه فيقف حينئذ على فيه والوجه الثاني أن يكون لا ريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر وان شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق في على الوجهين بفعل محذوف وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى وفي موضعه وجهان أحدهما رفع اما مبتدأ أو فاعل على ما ذكرنا واما أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو هدى واما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر والوجه الثاني أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه أي لا ريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل والعامل في الحال معنى الجملة تقديره أحققه هاديا ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والاشارة الحاصل من قوله ذلك
قوله تعالى (
﴿للمتقين﴾
) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لأنه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل وواحد المتقين متقى وأصل الكلمة من وقى فعل ففاؤها واو ولامها ياء فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الاخرى فقلت اتقى وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك متقون ومتقين ووزنه في الأصل مفتعلون لأن أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لأن علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل فكان ابقاؤها أولى
صفحة ١١
قوله تعالى (
﴿الذين يؤمنون﴾
) هو في موضع جر صفة للمتقين ويجوز أن يكون في موضع نصب اما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون لآنه من الامن والماضي منه آمن فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها ونظيره في الاسماء آدم آخر فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل لأن ذلك يفضي بك في المتكلم إلى ثلاث همزات الأولى همزة المضارعة والثانية همزة أفعل التي في آمن والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى لأنها حرف معنى ومن حذف الثالثة لأن الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة وإذا أردت تبيين ذلك فقل ان آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج فلو قلت أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي وزدت عليه همزة المتكلم فمثله يجب أن يكون في أومن فالباقي من الهمزات الأولى والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة والهمزة الوسطى هي المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها فإذا قلت نؤمن وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان أحدهما الهمز على الأصل والثاني قلب الهمزة واوا تخفيفا وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن والأصل يؤمن فأما أؤمن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل أي يؤمنون بالغائب عنهم ويجوز أن يكون بمعنى المفعول أي المغيب كقوله هذا خلق الله أي مخلوقه ودرهم ضرب الامير أي مضروبه
قوله عز وجل (
﴿ويقيمون﴾
) أصله يؤقومون وما ضيه أقام وعينه واو لقولك فيه يقوم فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين وكذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة وأما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين وقد ذكرناه وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك صلوات والصلاة مصدر صلى ويراد بها هاهنا الافعال والاقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الاسماء غير المصادر
صفحة ١٢
قوله تعالى (
﴿ومما رزقناهم﴾
من متعلقة بينفقون والتقدير وينفقون مما رزقناهم فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله يؤمنون ويقيمون كذلك وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآي وما بمعنى الذي ورزقنا يتعدى إلى مفعولين وقد حذف الثاني منهما هنا وهو العائد على ما تقديره رزقناهموه أو رزقناهم إياه ويجوز أن تكون ما نكرة موصولة بمعنى شيء أي ومن مال رزقناهم فيكون رزقناهم في موضع جرصفة لما وعلى القول الاول لا يكون له موضع لأن الصلة لا موضع لها ولا يجوز أن تكون ما مصدرية لأن الفعل لا ينفق ومن للتبعيض ويجوز أن تكون لابتداء غاية الانفاق وأصل ينفقون يؤنفقون لأن ماضيه أنفق وقد تقدم نظيره
قوله تعالى (
﴿بما أنزل إليك﴾
) ما ها هنا بمعنى الذي ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة أي بشيء أنزل إليك لأنه لا عموم فيه على هذا ولا يكمل الايمان الا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبي وما للعموم وبذلك يتحقق الايمان والقراءة الجيدة بأنزل إليك بتحقيق الهمزة وقد قرىء في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الأولى وأدغمت في اللام الثانية والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبي ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع وقد صرح به في آي أخر كقوله (
﴿لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم﴾
قوله تعالى (
﴿وبالآخرة﴾
) الباء متعلقة بيوقنون ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل والاخر صفة والموصوف محذوف تقديره وبالساعة الاخرة أو بالدار الاخرة كما قال (
﴿وللدار الآخرة خير﴾
) وقال (
﴿واليوم الآخر﴾
)
قوله تعالى (
﴿هم يوقنون﴾
) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد ولو قال وبالاخرة يوقنون لصح المعنى والإعراب ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم ويوقنون الخبر وأصله يؤيقنون لأن ماضيه أيقن والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي الا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها
قوله تعالى (
﴿أولئك﴾
) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحدة وواحدة ذا ويكون أولئك للمؤنث والمذكر والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت اما مرفوعة أو منصوبة ولا يصح شيء منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب واما أن تكون مجرورة بالاضافة واولاء لا تصح اضافته لأنه مبهم والمبهمات لا تضاف فبقي أن تكون حرفا مجردا للخطاب ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن وموضعه هنا رفع بالابتداء و (
﴿على هدى﴾
) الخبر وحرف الجر متعلق بمحذوف أي أولئك ثابتون على هدى ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب وقد ذكر
صفحة ١٣
فإن قيل أصل على الاستعلاء والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها ها هنا
قيل معنى الاستعلاء حاصل لأن منزلتهم علت باتباع الهدى ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه
قوله تعالى (
﴿من ربهم﴾
) في موضع جر صفة لهدى ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفي الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى ويجوز كسر الهاء وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة
قوله تعالى (
﴿وأولئك﴾
) مبتدأ و (
﴿هم﴾
) مبتدأ ثان و (
﴿المفلحون﴾
) خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الاول ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب والمفلحون خبر أولئك والأصل في مفلح مؤفلح ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون
قوله تعالى (
﴿سواء عليهم﴾
) رفع بالابتداء وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر والتقدير يستوي عندهم الانذار وتركه وهو كلام محمول على المعنى ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدأ وسواء خبر مقدم والجملة على القولين خبر أن ولا يؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن وما بعده معمول له ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر أن وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو ومستو يعمل عمل يستوي ومن أجل أنه مصدر لا يثنى ولا يجمع والهمزة في سواء مبدلة من ياء لأن باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الاكثر
صفحة ١٤
قوله تعالى (
﴿أأنذرتهم﴾
) قرأ ابن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا وفي الكلام ما يدل عليها وهو قوله أم لم لأن أم تعادل الهمزة وقرأ الاكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الأصل الا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب ومنهم من يحقق الأولى ويجعل الثانية بين بين أي بين الهمزة والألف وهذه في الحقيقة همزة ملينة وليست ألفا ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الأولى بالألف ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف ومن العرب من يبدل الأولى هاء ويحقق الثانية ومنهم من يلين الثانية مع ذلك ولا يجوز أن يحقق الأولى ويجعل الثانية ألفا صحيحا ويفصل بينهما بألف لأن ذلك جمع بين ألفين ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية وذلك شبيه بالاستفهام لأن المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم فكذلك يفعل من يريد التسوية ويقع ذلك بعد سواء كهذه الاية وبعد ليت شعرى كقولك ليت شعري أقام أم قعد وبعد لا أبالي ولا أدري وأم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام ولم ترد المستقبل إلى معنى المضي حتى يحسن معه أمس فان دخلت عليها ان الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال
قوله تعالى (
﴿وعلى سمعهم﴾
) السمع في الأصل مصدر سمع وفي تقديره هنا وجهان أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله وفي الكلام حذف تقديره على مواضع سمعهم لأن نفس السمع لا يختم عليه والثاني أن السمع هنا استعمل بمعنى السامعة وهي الاذن كما قالوا الغيب بمعنى الغائب والنجم بمعنى الناجم واكتفى بالواحد هنا عن الجمع كما قال الشاعر
( بها جيف الحسرى فأما عظامها
فبيض وأما جلدها فصليب يريد جلودها )
قوله تعالى (
﴿وعلى أبصارهم غشاوة﴾
) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ وعلى أبصارهم خبره وفي الجار على هذا ضمير وعلى قول الأخفش غشاوة مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل ولا ضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية والوقف على هذه القراءة على (
﴿وعلى سمعهم﴾
ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ولا يجوز أن ينتصب بختم لأنه لا يتعدى بنفسه ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها وكسرها
قوله تعالى (
﴿ولهم عذاب﴾
) مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا قبل وفي (
﴿عظيم﴾
) ضمير يرجع على العذاب لأنه صفته
صفحة ١٥
قوله تعالى (
﴿ومن الناس﴾
) الواو دخلت هنا للعطف على قوله (
﴿الذين يؤمنون﴾
) (
﴿بالغيب﴾
) وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس فالآيات الاول تضمنت ذكر المخلصين في الايمان وقوله (
﴿إن الذين كفروا﴾
) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه وهذه الاية تضمنت ذكر من أظهر الايمان وأبطن الكفر فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الاول ومن هنا للتبعيض وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهي فاء الكلمة وجعلت الألف واللام كالعوض منها فلا يكاد يستعمل الناس الا بالألف واللام ولا يكاد يستعمل أناس بالألف واللام فالألف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الانس وقال غيره ليس في الكلمة حذف والألف منقلبة عن واو وهي عين الكلمة واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك وقالوا في تصغيره نويس
قوله (
﴿من يقول﴾
) من في موضع رفع بالابتداء وما قبله الخبر أو هو مرتفع بالجار قبله على ما تقدم ومن هنا نكرة موصوفة ويقول صفة لها ويضعف أن تكون بمعنى الذي لأن الذي يتناول قوما بأعيانهم والمعنى ها هنا على الابهام والتقدير ومن الناس فريق يقول ومن موحدة للفظ وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها وأن يثني ويجمع ويؤنث حملا على معناها وقد جاء في هذه الاية على الوجهين فالضمير في يقول مفرد وفي آمنا وما هم جمع والأصل في يقول يقول بسكون القاف وضم الواو لأنه نظير يقعد ويقتل ولم يأت الا على ذلك فنقلت ضمة الواو إلى القاف ليخف اللفظ بالواو ومن ها هنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل لأن فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل
قوله تعالى (
﴿آمنا﴾
) أصل الألف همزة ساكنة فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها ووزن آمن افعل من الامن و (
﴿الآخر﴾
) فاعل فالألف فيه غير مبدلة من شيء
قوله (
﴿وما هم﴾
) هم ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز ومبتدأ عند تميم والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشيء وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدأ أو الخبر أو الفاعل وما تنفي ما في الحال وقد تستعمل لنفي المستقبل
صفحة ١٦
قوله تعالى (
﴿يخادعون الله﴾
) في الجملة وجهان أحدهما لا موضع لها والثاني موضعها نصب على الحال وفي صاحب الحال والعامل فيها وجهان أحدهما هي من الضمير في يقول فيكون العامل فيها يقول والتقدير يقول آمنا مخادعين والثاني هي حال من الضمير في قوله بمؤمنين والعامل فيها اسم الفاعل والتقدير وما هم بمؤمنين في حال خداعهم ولا يجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين لأن ذلك يوجب نفي خداعهم والمعنى على إثبات الخداع ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا لأن آمنا محكى عنهم بيقول فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا لكانت محكية ايضا وهذا محال لوجهين أحدهما انهم ما قالوا آمنا وخادعنا والثاني أنه اخبر عنهم بقوله يخادعون ولو كان منهم لكان نخادع بالنون وفي الكلام حذف تقديره يخادعون نبي الله وقيل هو على ظاهره من غير حذف
قوله عز وجل (
﴿وما يخدعون﴾
) وأكثر القراءة بالألف وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين وهي على ذلك هنا لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي يدور الخداع بينهما فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم وقيل المفاعلة هنا من واحد كقولك سافر الرجل وعاقبت اللص ويقرأ يخدعون بغير ألف مع فتح الياء ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال وما يخدعهم الشيطان (
﴿إلا أنفسهم﴾
) أي عن أنفسهم وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه على الاستثناء لأن الفعل لم يستوف مفعوله له قبل الا
قوله تعالى (
﴿فزادهم الله﴾
) زاد يستعمل لازما كقولك زاد الماء ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما وعلى هذا جاء في الاية ويجوز امالة الزاي لأنها تكسر في قولك زدته وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف الا أنه احسن فيما عينه ياء
قوله تعالى (
﴿أليم﴾
) هو فعيل بمعنى مفعل لأنه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه الماء والأم مثل شريف وشرفاء وشراف
قوله تعالى (
﴿بما كانوا يكذبون﴾
) هو في موضع رفع صفة لأليم وتتعلق الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وما هنا مصدرية وصلتها يكذبون وليست كان صلتها لأنها الناقصة ولا تستعمل منها مصدر ويكذبون في موضع نصب خبر كان وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الأخفش وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء
صفحة ١٧
قوله عز وجل (
﴿وإذا قيل لهم﴾
) إذا في موضع نصب على الظرف والعامل فيها جوابها وهو قوله قالوا وقال قوم العامل فيها قيل وهو خطأ لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وأصل قيل قول فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق ومنهم من يقول نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف لأنك لا تنقل إليها الحركة الا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير ويجوز اشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع قول وبوع ويسوى بين ذوات الواو والياء قالوا وتخرج على أصلها وما هو من الياء ستقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول وأضمر لأن الجملة بعده تفسره والتقدير وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ونظيره ثم بدا لهم من بعد ما رادوا الايات ليسجننه أي بدا لهم بداء ورأى وقيل لهم هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد لأن الكلام لا يتم به وما هو مما تفسره الجملة بعده ولا يجوز أن يكون قوله لا تفسدوا قائما مقام الفاعل لأن الجملة لا تكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل ولهم في موضع نصب مفعول قيل
قوله (
﴿في الأرض﴾
) الهمزة في الأرض أصل وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم أرضت القرحة إذا اتسعت وقول من قال سميت أرضا لأن الاقدام ترضها ليس بشيء لأن الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا لأن ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا
صفحة ١٨
قوله (
﴿إنما نحن﴾
) ما ههنا كافة لان عن العمل لأنها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى وهي انما عملت لاختصاصها بالاسم وتفيد انما حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله انما الله اله واحد وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره كقولك انما زيد كريم أي ليس فيه من الاوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم ومنه قوله تعالى (
﴿إنما أنا بشر مثلكم﴾
) لأنهم طلبوا منه مالا يقدر عليه البشر فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها قوله نحن هو اسم مضمر منفصل مبني على الضم وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها فهي كالحروف في افتقارها إلى الاسماء وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان وضمت النون لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت وقيل ضمت لأن موضعها رفع وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ونحن ضمير المتكلم ومن معه وتكون للاثنين والجماعة ويستعمله المتكلم الواحد العظيم وهو في موضع رفع بالابتداء و (
﴿مصلحون﴾
) خبره
قوله تعالى (
﴿إلا﴾
) هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب وقيل معناها حقا وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا وهذا في غاية البعد
قوله (
﴿هم المفسدون﴾
) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر ان ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيدا لاسم ان ويجوز ان يكون فصلا لا موضع لها لأن الخبر هنا معرفة ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة فيعين ما بعده للخبر
قوله تعالى (
﴿وإذا قيل لهم آمنوا﴾
) القائم مقام المفعول هو القول ويفسره آمنوا لأن الامر والنهي قول
قوله (
﴿كما آمن الناس﴾
) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أي ايمانا مثل ايمان الناس ومثله كما آمن السفهاء
قوله (
﴿السفهاء ألا إنهم﴾
) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه أحدها تحقيقهما وهو الأصل والثاني تحقيق الأولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالي الهمزتين وجعلت الثانية واوا لانضمام الأولى والثالث تليين الأولى وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانيى والرابع كذلك الا أن الثانية واو ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة واو لأن ذلك تقريب لها من الألف والألف لا يقع بعد الضمة والكسرة وأجازه قوم
قوله تعالى (
﴿لقوا الذين آمنوا﴾
) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها وحركت القاف بالضم تبعا للواو وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت وقرأ ابن السميقع لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله (
﴿اشتروا الضلالة﴾
)
قوله (
﴿خلوا إلى﴾
) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسروه بكسرة الهمزة وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الالف يلتقي ساكنان وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة
صفحة ١٩
قوله (
﴿إنا معكم﴾
) الأصل اننا فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح كما حذفت في ان إذا خففت كقوله تعالى (
﴿وإن كل لما جميع﴾
) ومعكم ظرف قائم مقام الخبر أي كائنون معكم
قوله تعالى (
﴿مستهزؤون﴾
) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل قولك يرمون ويضم الزاي وكذلك الخلاف في تليين همزة يستهزىء بهم
قوله تعالى (
﴿يعمهون﴾
) هو حال من الهاء والميم في يمدهم وفي طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا وان شئت بيعمهون ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين
قوله تعالى (
﴿اشتروا الضلالة﴾
) الأصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان الألف والواو
فان قلت فالواو هنا متحركة قيل حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الألف المحذوفة وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية في نحو قوله لو استطعنا وقيل ضمت لأن الضمة هنا أخف من الكسرة لأنها من جنس الواو وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة وقيل ضمت لأنها ضمير فاعل فهي مثل التاء في قمت وقيل هي للجمع فهي مثل نحن وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو أثؤب ومنهم من يفتحها ايثارا للتخفيف ومنهم من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين وهو ضعيف لأن قبلها فتحة والفتحة لا تدل عليها
قوله تعالى (
﴿مثلهم كمثل﴾
) ابتداء وخبر والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشيء
صفحة ٢٠
قوله (
﴿الذي استوقد﴾
) الذي هاهنا مفرد في اللفظ والمعنى على الجمع بدليل قوله (
﴿ذهب الله بنورهم﴾
) وما بعده وفي وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان أحدهما هو جنس مثل من وما فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد وتارة بلفظ الجمع والثاني أنه أراد الذين فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ومثله (
﴿والذي جاء بالصدق وصدق به﴾
) ثم قال أولئك هم المتقون واستوقد بمعنى أوقد مثل استقر بمعنى قر وقيل استوقد استدعى الايقاد
قوله تعالى (
﴿فلما أضاءت﴾
) لما هنا اسم وهي ظرف زمان وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضي وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل إذا وأضاءت متعد فيكون ما على هذا مفعولا به وقيل أضاء لازم يقال ضاءت النار وأضاءت بمعنى فعلى هذا يكون ما ظرفا وفي ما ثلاثة أوجه أحدها هي بمعنى الذي والثاني هي نكرة موصوفة أي مكانا حوله والثالث هي زائدة
قوله (
﴿ذهب الله بنورهم﴾
) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له والتقدير أذهب الله نورهم ومثله في القرآن كثير وقد تأتي الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد أي ذهبت ومعي زيد
قوله تعالى (
﴿وتركهم في ظلمات﴾
) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين لأن المعنى صيرهم وليس المراد به الترك الذي هو الاهمال فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثاني في ظلمات فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لا يبصرون حالا ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثاني وفي ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون أو من المفعول الاول
قوله تعالى (
﴿صم بكم﴾
) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف أي هم صم وقرىء شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون
قوله تعالى (
﴿فهم لا يرجعون﴾
) جملة مستأنفة وقيل موضعها حال وهو خطأ لأن ما بعد الفاء لا يكون حالا لأن الفاء ترتب والاحوال لا ترتيب فيها ويرجعون فعل لازم أي لا ينتهون عن باطلهم أو لا يرجعون إلى الحق وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره فهم لا يردون جوابا مثل قوله (
﴿إنه على رجعه لقادر﴾
)
صفحة ٢١
قوله تعالى (
﴿أو كصيب﴾
) في ( أو ) أربعة أوجه أحدها أنها للشك وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين فلا يدري أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب كقوله (
﴿إلى مائة ألف أو يزيدون﴾
) أي يشك الرائي لهم في مقدار عددهم والثاني أنها للتخيير أي شبهوهم بأي القبيلتين شئتم والثالث أنها للاباحة والرابع أنها للابهام أي بعض الناس يشبههم بالمستوقد وبعضهم بأصحاب الصيب ومثله قوله تعالى (
﴿كونوا هودا﴾
) أو نصارى ) أي قالت اليهود كونوا هودا وقالت النصارى كونوا نصارى ولا يجوز عند أكثر البصريين أن تحمل أو على الواو ولا على بل ما وجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله (
﴿كمثل الذي﴾
) ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره أو مثلهم كمثل صيب وفي الكلام حذف تقديره أو كأصحاب صيب وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون والمعنى على ذلك لأن تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لا بنفس المطر وأصل صيب صيوب على فيعل فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها ومثله مين وهين وقال الكوفيون أصله صويب على فعيل وهو خطأ لأنه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل (
﴿من السماء﴾
) في موضع نصب ومن متعلقة بصيب لأن التقدير كمطر صيب من السماء وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف أي كصيب كائن من السماء والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ونظائره تقاس عليه (
﴿فيه ظلمات﴾
) الهاء تعود على صيب وظلمات رفع بالجار والمجرور لأنه قد قوي بكونه صفة لصيب ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم وفيه على هذا ضمير والجملة في موضع جر صفة لصيب والجمهور على ضم اللام وقد قرىء بإسكانها تخفيفا وفيه لغة أخرى بفتح اللام والرعد مصدر رعد يرعد والبرق مصدر أيضا وهما على ذلك موحدتان هنا ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم رجل عدل وصوم (
﴿يجعلون﴾
) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيب وأن يكون مستأنفا وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد لأن حذف الراجع على ذي الحال كحذفها من خبر المبتدأ وسيبويه يعده من الشذوذ (
﴿من الصواعق﴾
) أي من صوت الصواعق (
﴿حذر الموت﴾
) مفعول له وقيل مصدر أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به (
﴿محيط﴾
) أصله محوط لأنه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء
صفحة ٢٢