الإيمان
محقق
محمد ناصر الدين الألباني
الناشر
المكتب الإسلامي،عمان
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤١٦هـ/١٩٩٦م
مكان النشر
الأردن
عالمًا بأنه يتكلم والعلم بأنه متكلم بعد العلم بأنه حي، والعلم بأنه حي بعد العلم بأنه فاعل، والعلم بأنه فاعل بعد العلم بالفعل، وهو كون العالم فعلًا له، وقال: وكذلك يتضمن العلم بكونه قادرًا وله قدرة وعالمًا وله علم، ومريدًا وله إرادة، وسائر ما لا يصح العلم بالله إلا بعد العلم به من شرائط الإيمان.
قلت: هذا مما اختلف فيه قول الأشعري، وهو أن الجهل ببعض الصفات، هل يكون جهلًا بالموصوف، أم لا؟ على قولين، والصحيح الذي عليه الجمهور وهو آخر قوليه، أنه لا يستلزم الجهل بالموصوف، وجعل إثبات الصفات من الإيمان، مما خالف فيه الأشعري جهمًا فإن جهمًا غال في نفي الصفات، بل وفي نفي الأسماء.
قال أبو الحسن: ثم السمع ورد بضم شرائط أخر إليه، وهو ألا يقترن به ما يدل على كفر من يأتيه فعلًا وتركًا، وهو أن الشرع أمره بترك العبادة والسجود للصنم، فلو أتى به دل على كفره، وكذلك من قتل نبيًا واستخف به، دل على كفره، وكذلك لو ترك تعظيم المصحف أو الكعبة دل على كفره، قال: وأحد ما استدللنا به على كفره ما منع الشرع، أن يقرن بالإيمان أو أوجب ضمه إلى الإيمان لو وجد دلنا ذلك على أن التصديق الذي هو الإيمان مفقود من قلبه، وكذلك كل ما كفر به المخالف من طريق التأويل فإنما كفرناه به لدلالته على فقد ما هو إيمان من قلبه؛ لاستحالة أن يقضي السمع بكفر من معه الإيمان والتصديق بقلبه.
فيقال: لا ريب أن الشارع لا يقضي بكفر من معه الإيمان بقلبه، لكن دعواكم أن الإيمان هو التصديق وإن تجرد عن جميع أعمال القلب غلط؛ ولهذا قالوا: أعمال التصديق والمعرفة من قلبه، ألا ترى أن الشريعة حكمت بكفره، والشريعة لا تحكم بكفر المؤمن المصدق؛ ولهذا نقول: إن كفر إبليس لعنه الله كان أشد من كفر كل كافر، وأنه لم يعرف الله بصفاته قطعًا، ولا آمن به إيمانًا حقيقيًا باطنًا وإن وجد منه القول والعبادة، وكذلك اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة لم يوجد في قلوبهم حقيقة الإيمان المعتد به في حال حكمنا
1 / 122