ثم خلف من بعدهم خلف تفضل الله عليهم بشيء من آلات الاجتهاد الجزئي ويسر عليهم الترجيح الشخصي فتوجهوا إلى اختيار الطريقة المتوسطة ولقد أصابوا في ما فعلوا لكن أخطأوا في أنهم استنكفوا من الدخول تحت النسب الأربعة وظنوا الانتساب بها من البدع المستقبحة بل ترقى بعضهم فحكموا بكونه شركا وكفرا وضلالة وكونه مخالفا للكتاب والسنة وفي أنهم قصدوا أمرا لم تجر عادة الفعال الحكيم بإجرائه ولم تحكم الشريعة بإنفاذه من موافقة الناس كلهم خاصهم وعامهم على هذه الروية وزجرهم عن الانتساب بهذه النسب الشهيرة وإن لم يكن لهم علم بمآخذ الأحكام ولا تمييز بين الحلال والحرام وأرادوا إبطال هذه السنة القديمة التي أجراها الله تعالى مصالح عباده ولم يتأملوا في ما ورد من تنزيل كل رجل على منازله فوقع ذلك موجبا للفساد والجدال وانعسكت الهداية بالضلال ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهواب فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا وهم أكثر من في عصرنا وشيء من عصر سبقنا فأقاموا النكير الأعظم على أئمة العالم لا سيما إمامنا الأقدم(1) الإمام أبي حنيفة الأعظم جل مرادهم الجرح والقدح وكل مقصودهم الطعن والطرح ليس لهم حظ من التدين والتقوى ولا نصيب لهم من قابلية الفتوى، تراهم إذا ساعدهم التوفيق لمطالعة كتب الحديث المعتبرة ووجدوا فيها أحاديث مخالفة للإمام الأعظم وغيره من مجتهدي العالم بسطوا ألسنتهم بالطعن ورموهم بالسب واللعن من دون أن ينظروا إلى كلام الشراح والمحشين ويطالعوا على مباحث الفقهاء والمحدثين تراهم يحكمون بخطأ الإمام الأعظم في مسائل عديدة على سبيل الجزم ويزعمون أنه تركه حتم وتوافقه محرم وطائفة عظيمة منهم قد طارت رتبتهم على رتبة رؤسائهم فنازعوا الحنفية في المسائل العديدة كترك القراءة خلف الإمام والإسرار بآمين وبالبسملة في الصلاة وترك رفع اليدين عند الركوع والسجود، وغير ذلك من الجزئيات الشهيرة وبلغوا في نزاعهم إلى الدرجة القصوى وطولوا ألسنة الرد والدر إلى ما لا يتناهى مع كونهم لا نصيب لهم من العلم ولا حصة لهم من الفهم فحرموا الحلال وحللوا المحرم وأباحوا الغيبة وطعن الأئمة وتحقير أهل الإسلام وضرب أهل الإكرام وسبهم وتذليلهم وتنقيصهم وإيذائهم وحكم ابتداعهم وضلالتهم وغير ذلك من المحرمات المنصوصة والمكروهات المشهورة ولم يجوزوا لأحد تقليد الحنفية في هذه المسائل زعما فاسدا منهم أنه ليس لها رائحة(1) من الدلائل واستعملوا بكل من اقتدى فيها بالحنفية بالمحرمات المذكورة وقد قابلهم طائفة عظيمة أخرى حفروا آبار التفريط إلى ما تحت الثرى وأسسوا قواعد الجدال والتفريط إلى الدرجة القصوى وبنو أقصر التفريط على زعم أنف باني قصر الإفراط وجاهدوا حق الجهاد في الفساد والانضعاط وجمدوا(1) على مذهبهم جمود الثلج في أيام الشتاء وعملوا بتلك المحرمات عند مقابلة هؤلاء وحكموا بكفرهم وفسقهم بل وكفر الأكابر المتقدمين وفسق الأقدمين ولم يجيبوا إلا بقولهم إنا وجدنا آباءنا على أمه وإنا على آثارهم مقتدون من غير التأمل في جوابه أو لو كان آباؤهم لا يعقلو شيئا ولا يهتدون وإلى الله المشتكى وإليه التضرع والملتجى من صنيع هؤلاء وهؤلاء يخوضون فيم ما لا يعلمون ويفتون بما لا يفهمون ويطعنون بما لا يفقهون ومع ذلك يحسبون أنهم يحسنون والله يرحمنا ويرحمهم ويهديهم ويصلحهم ولقد عمت هذه الفتنة في هذا الزمان وقامت من كل جانب راية الشر والطغيان ودخلت في كل بلدة من بلاد الإسلام إلا ما حفظه الله ذو الإكرام لا سيما في بلادنا وإقليمنا فلم تبق بلدة من بلاده إلا وقد دخلته وأفسدت الاجتماع وفرقته وما من بلد إلا ما شاء الله إلا فيه فريقان يتنازعان ويخوضان في ما لا يعنيهما ويتجادلان ولست أتحسر على دخول الجهال في أحد الفريقين وإنما أتحسر على اختيار غالب علماء عصرنا أحد هذين الطريقين فإن علماء عصرنا رحمهم الله ورحمنا متفرقون على فرق أربعة ففرقة يغوصون في بحار العلوم الفلسفية ويصرفون أعمارهم في الفنون الحكمية التي لا ثمرة لها معتدة لا في الدنيا ولا في الآخرة وهم بمعزل عن منازعات المسائل ومشاجرات المجيب والسائل وهم وإن أحاطتهم ظلمة الفلسفة فقد نجو من المخمصة والمفسدة وفرقة غاصوا في بحار العلوم الشرعية ولم يمعنوا نظرهم ولم يفتحوا بصرهم فجمدوا على ظاهر ما مر تحت أنظارهم وقطعوا بحقية ما خطر في أفكارهم وفرقة غاصوا في بحارها ولم يأتوا بالدرر بل بأصدافها وهم وإن سمعوا أنظارهم في هذه الفنون لكنها أخطأت فزلت أقدامهم ولم يتيسر لهم الأمر المصون وهاتان الفرقتان هما الفئتان العظيمتان المتنازعتان ولعمري كل منهم مستحق للزجر والتعزير والتأديب والنكير وفرقة هم متوسطون لا يقدمون المعقول على المنقول ولا يقومون على شفا حفرة النزاع ويسلكون سبيل السلف الصالح بلا دفاع، ولقد كال ما وردت إلي الخطوط والرسائل وكثير من المستفتي والسائل لتحقيق هذه المباحث التي تنازعوا فيها وأصروا على إظهار الحق في تنقيدها وكنت أضرب عنهم كشحا وأعرض عنهم وجها علما مني بأن أكثر أهل الزمان قد عموا وصموا وإني وإن كنت أسلك في كل مبحث سبيل التوسط لكنه لا يقرع سماعهم ولا يمعن فيه أنظارهم إلى أن ألح علي جماعة من خلص الحباب وطائفة من ممجدي الأصحاب بالإقدام على ذلك ولم أجد عذرا أدفعه به فيما هنالك فصرفت عنان القصد إلى ما راموه وإنجاح ما قصدوه فألفت هذه الرسالة المسماة بإمام الكلام(1) في ما يتعلق بالقراءة خلف الإمام مرتبة على ثلاثة أبواب وخاتمة الباب الأول في ذكر اختلاف الصحابة ومن بعدهم في هذه المسألة وفيه فصلان الأول في ذكر آثار الصحابة ومن بعدهم وعبارات العلماء الدالة على تفرقهم والثاني في بسط أصول المذاهب وفروعها مع إبطال بعضها والباب الثاني في ذكر دلائل المذاهب المتفرقة وفيه فصول الأول في ذكر دلائل الحنفية بالكتاب والسنن المرفوعة والآثار والإجماع والمعقول فهو مرت على خمسة أصول الثاني في ذكر أدلة الشافعية وفيه أربعة أصول الثالث في أدلة المالكية والباب الثالث في ضبط المذاهب وترجيح بعضها على بعض والخاتمة في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة كل ذلك بشرط التفصيل والتوضيح والتحقيق والتصريح والإنصاف والترجيح وأرجو من الله تعالى أن ينفع بها عباده ويجعلها حكما مصلحا عند المنازعة والالتماس من الإخوان أن يطالعوها بنظر الفكر والإنصاف لا ببصر الحسد والاعتساف لتتجلى لهم حقيقة الحال وينكشف صدق المقال ولئن ساعدني التوفيق لأفرد باقي الأبحاث التي تنازعوا فيها أيضا بتحريرات منفردة بالتحقيق الباب الأول في ذكر اختلاف علماء الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة ومن بعدهم من فقهاء الملة وفيه فصلان الأول في ذكر الآثار من الصحابة ومن بعدهم وعبارات العلماء الدالة على تفرقهم أخرج الطحاوي(2) في شرح معاني الآثار عن أحمد بن داوود نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا معاوية بن صالح عن أبي هدبة عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء أن رجلا قال يا رسول الله أفي الصلاة قرآن قال نعم فقال رجل من الأنصار وجبت قال وقال أبو الدرداء أرى أن الإمام إذا أم القوم فقد كفاهم قال الطحاوي فهذا أبو الدرداء قد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل صلاة قرآن فقال رجل من الأنصار وجبت فلم ينكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول الأنصاري ثم قال أبو الدرداء من رأيه ما قال وكان ذلك عنده على من يصلي وحده لا على المأمومين انتهى وأخرج أيضا عن صالح بن عبد الرحمن نا سعيد بن منصور نا هشيم أنا أبو اسحاق الشيباني عن حواب بن عبيد الله التيمي نا يزيد بن شريك أنه قال سألت عمر بن الخطاب عن القراءة خلف الإمام فقال لي اقرأ فقلت وإن كنت خلفك قال وإن كنت خلفي قلت وإن قرأت قال وإن قرأت وأخرج عن صالح نا سعيد نا هشيم أنا أبو بشر عن مجاهد قال سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ خلف الإمام في صلاة الظهر من سورة مريم وأخرج أيضا عن أبي بكرة نا أبو داود نا شعبة عن حصين قال سمعت مجاهدا يقول صليت مع عبد الله بن عمرو الظهر أو العصر فكان يقرأ خلف الإمام وأخرج أيضا عن فهد نا أبو نعيم سمعت محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ومر على دار ابن الأصبهاني ثنى صاحب هذه الدار وكان قد قرأ على أبي عبد الرحمن عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى قال قال علي - رضي الله عنه - من قرأ خلف الإمام فليس على الفطرة وأخرج أيضا عن ابن مرزوق نا الحصيب نا وهيب عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن ابن مسعود قال أنصت للقراءة فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذاك الإمام وأخرج عن مبشر بن الحسن نا أبو عامر أو أبو جابر عن شعبة عن منصور عن أبي وائل عنه مثله وعن روح بن الفرج نا يوسف بن عدي نا أبو الأحوص عن منصور عن أبي وائل عنه نحوه وأخرج عن أبي بكرة نا أبو داود نا خديج بن معاوية عن أبي اسحاق عن علقمة عن ابن مسعود قال ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه نارا وأخرج عن حصين بن نصر نا أبو نعيم نا سفيان عن الزبير عن إبراهيم عن علقمة نحوه وأخرج عن يونس نا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات وعن يونس عن ابن وهب عن مخرمة ع أبيه عن عبيد الله ابن مقسم قال سمعت جابر بن عبد الله فذكر مثل ذلك وأخرج عن يونس بن عبد الأعلى أنا عبد الله بن وهب أني مخرمة بن بكير عن أبيه عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت سمعه يقول لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات وعن فهد نا علي بن معبد نا إسماعيل بن كثير عن يزيد بن قسيط عن عطاء بن يسار عنه مثله وأخرج عن ابن أبي داود عن أبي صالح نا حماد عن سلمة عن أبي حمزة قال قلت لابن عباس أأقرأ والإمام بين يدي فقال لا وأخرج عن يونس نا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام يقول إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام وكان عبد الله لا يقرأ خلف الإمام وأخرج عن ابن مرزوق نا وهب نا شعبة عن عبد الله بن دينار عنه أنه قال يكفيك قراءة الإمام وأخرج الإمام محمد(1) في موطأه عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر قال من صلى خلف الإمام كفته قراءته وأخرج أيضا في الموطأ عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي(1) أخبرني أنس بن سيرين عن ابن عمر أنه سئل عن القراءة خلف الإمام قال تكفيك(2) قراءة الإمام وأخرج أيضا في الموطأ عن أسامة بن زيد المدني نا سالم بن عبد الله بن عمر كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام قال فسألت القاسم بن محمد عن ذلك فقال إن تركت فقد تركه ناس(3) يقتدى بهم وإن قرأت فقد قرأ أناس يقتدى بهم وكان القاسم ممن لا يقرأ(4) وأخرج أيضا في الموطأ عن سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل قال سئل عبد الله بن مسعود عن القراءة خلف الإمام قال أنصت فإن في الصلاة شغلا(5) سيكفيك ذاك الإمام وأخرج أيضا فيه عن محمد بن أبان القرشي عن حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس إن ابن مسعود كان لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر فيه وفي ما يخافت فيه في الأوليين ولا في الأخريين وإذا صلى وحده قرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ولا يقرأ في الأخريين(6) شيئا وأخرج أيضا فيه عن سفيان الثوري نا منصور عن أبي وائل عنه أنه قال أنصت للقراءة فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك الإمام وأخرج أيضا فيه عن بكير بن عامر نا إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس قال لأن أعض على جمرة(1) أحب إلى من أن أقرأ خلف الإمام وأخرج أيضا فيه عن إسرائيل بن يونس نا منصور عن إبراهيم قال إن أول من قرأ خلف الإمام رجل اتهم(2) وأخرج أيضا عن داود بن قيس أنا محمد بن عجلان أن عمر بن الخطاب قال ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا وأخرج أيضا فيه عن داود بن سعد بن قيس نا عمرو بن محمد بن زيد عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت يحدثه عن جده أنه قال من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له وأخرج محمد أيضا في كتاب الآثار عن أبي حنيفة نا حماد عن إبراهيم قال ما قرأ علقمة بن قيس قط في ما يجهر فيه ولا في الركعتين الأخريين أم القرآن ولا غيرها خلف الإمام قال محمد وبه نأخذ لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلوات يجهر فيه أنلا يجهر فيه وأخرج في كتاب الآثار أيضا عن أبي حنيفة عن حماد عن سعيد بن جبير قال اقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر ولا تقرأ في ما سوى ذلك قال محمد لا ينبغي أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات وأخرج ابن ماجة(3) في سننه بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في الأخريين بفاتحة الكتاب وأخرج النسائي(4) بسنده عن كثير بن مرة الحضرمي عن أبي الدرداء سمعه يقول سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل صلاة قراءة قال نعم قال رجل من الأنصار وجبت هذه فالتفت(1) إلي وكنت أقرب القوم منه فقال ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم قال أبو عبد الرحمن النسائي هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطأ إنما هو قول أبي الدرداء وأخرج الترمذي(2) في جامعه عن إسحاق بن موسى الأنصاري نا معن نا مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا أن يكون وراء الإمام قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأخرج أبو داود(3) في سننه بسنده عن مكحول عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري قال أبطأ عبادة(4) بن الصامت عن صلاة الصبح فأقام أبو نعيم(5) المؤذن الصلاة فصلى أبو نعيم بالناس وأقبل عبادة وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم وأبو نعيم يجهر بالقراءة فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن فلما انصرف قلت لعبادة سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر قال أجل صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه القراءة فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال هل تقرؤن إذا جهرت بالقراءة فقال بعضنا إنا نصنع ذلك فال فلا وأنا أقول ما لي أنازعني القرآن فلا تقرؤا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن وأخرج أيضا أبو داود بسنده عن ابن جار وسعيد بن عبد العزيز وعبد الله بن العلاء عن مكحول عن عبادة نحو ما سبق وفيه قالوا كان مكحول يقرأ في المغرب والعشاء والصبح بفاتحة الكتاب في كل ركعة سرا وقال مكحول اقرأ في ما جهر به الإمام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سرا فإن لم يسكت اقرأ بها قبله ومعه وبعده ولا تتركها على حال وأخرج عبد بن حميد(1) وابن جرير(2) وابن أبي حاتم(3) وأبو الشيخ(1) والبيهقي(2) عن ابن مسعود أنه صلى بأصحابه فسمع ناسا يقرؤون خلفه فما انصرف قال أما آن لكم أن تفهموا أما آن لكن أن تعقلوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله كذا ذكره السيوطي(3) في الدر المنثور عند تفسير قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وأخرج على ما ذكره السيوطي أيضا في الدر المنثور ابن أبي شيبة(4) والطبراني(5) في الأوسط وابن مردويه(6) والبيهقي في كتاب القراءة عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قال في القراءة خلف الإمام أنصت للقرآن كما أمرت(1) فإن للصلاة شغلا وسيكفيك ذاك الإمام وأخرج على ما ذكره السيوطي أيضا ابن أبي شيبة عن علي قال من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ وأخرج على ما ذكره أيضا ابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت قال لا قراءة خلف الإمام وأخرج ابن أبي شيبة على ما ذكره أيضا عن إبراهيم قال أول ما أحدثوا القراءة خلف الإمام وكانوا لا يقرؤن وأخرج مالك(2) في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان سئل هل يقرأ أحد مع الإمام قال إذا صلى أحدكم مع الإمام فحسبه قراءة الإمام وكان ابن عمر لا يقرأ مع الإمام وأخرج أيضا عن وهب بن كيسان عن جابر أنه قال من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام وأخرج عبد الرزاق(3) عن ابن جريج عن الزهري عن سالم أن ابن عمر كان ينصت للإمام في ما جهر فيه ولا يقرأ معه وقال ابن عبد البر(4) في شرح الموطأ ظاهر أثر ابن عمر الذي روى له مالك أنه كان لا يقرأ في سر الإمام ولا في جهره ولكن قيده مالك بترجمة الباب أن ذلك في ما جهر به الإمام بما علم من المعنى ويدل على صحته ما رواه عبد الرزاق فإنه يدل على أنه كان يقرأ معه في ما أسر فيه انتهى وأخرج مسلم(1) في باب سجود التلاوة بسنده عن عطاء بن يسار أنه سأل زيدا(2) عن القراءة مع الإمام فقال لا قراءة مع الإمام في شيء وأخرج الدارقطني(3) من طرق عن علي أنه قال من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة وقال الزيلعي(4) في نصب الراية لأحاديث الهداية(5) إنه رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق أيضا وقال الدارقطني لا يصح إسناده وقال ابن حبان(6) في كتاب الضعفاء إن هذا يرويه ابن أبي ليلى الأنصاري وهو باطل ويكفي في بطلانه إجماع المسلمين وعبد الله بن أبي ليلى رجل مجهول انتهى وقال ابن عبد البر في شرح الموطأ هذا لو صح يحتمل أن يكون في صلاة الجهر لأنه حينئذ يكون مخالفا للكتاب والسنة فكيف وهو غير ثابت عن علي انتهى وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر قال لا يقرأ خلف الإمام لا إن جهر ولا إن أسر ذكره الزيلعي في نصب الراية وأخرج على ما ذكره الزيلعي أيضا عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن مقسم قال سألت جابرا يقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر قال لا وأخرج مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج هي خداج هي خداج غير تمام قال قلت لأبي هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام قال فغمز ذراعي وقال يا فارسي اقرأ بها في نفسك إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل الحديث وأخرجه أيضا مسلم والبخاري(1) والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود وسفيان بن عيينة(2) في تفسيره وأبو عبيد(1) في فضائل القرآن وابن أبي شيبة وأحمد(2) في مسنده وابن جرير وابن الأنباري(3) والدارقطني والبيهقي كذا ذكره السيوطي وغيره وقد ذكرته مع ما يتعلق به في رسالتي إحكام القنطرة في أحكام البسملة فلتراجع فإنها في بابها متفردة وقد تلقاها العلماء بالقبول وصب عليه قبول القبول حتى أني لما أهديتها إلى حضرة أعلم أهل الحرمين الشريفين في عصره الفائق عليهم في مهارة الحديث في دهره مفتي الحنابلة(4) بمكة المعظمة شيخنا بالإجازة السيد محمد بن عبد الله بن حميد الحنبلي لا زال فيضه الخفي والجلي فنظر فيها واستحسنها ووصف فضلها بحضرتي وغيبوبتي وكان ذلك حين(1) دخلت مكة المعظمة في ذي القعدة من السنة الثانية والتسعين بعد الألف والمائتين من الهجرة ولله الحمد على ذلك كل بكرة وعشية فهذه آثار(2) شهدت بأن المسألة خلافية بين الصحابة وأئمة الأمة فمنهم من ثبت عنه ترك القراءة قولا وفعلا كابن مسعود وأتباعه ومنهم من ثبت عنه الإجازة في السرية والمنع في الجهرية ومنهم من ثبت عنه الجواز مطلقا فأبو الدرداء ممن ثبت عنه ترك القراءة في رواية الطحاوي والنسائي وكذا زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله في رواية محمد والطحاوي والترمذي وعن جابر الإجازة في رواية ابن ماجة وعمر بن الخطاب ممن روي عنه الإجازة في رواية الطحاوي والمنع في رواية محمد وابن عمر ممن روي عنه ترك القراءة عند محمد ومالك والإجازة في السرية في رواية الطحاوي وعبد الرزاق وابن عباس ممن روي عنه الترك عند الطحاوي وكذا علي(1) في روايته وكذا سعد عند محمد وعبادة بن الصامت وأبو هريرة ممن روي عنه الإجازة عند أبي داود وغيره وكذا مكحول من أئمة التابعين وسعيد بن جبير ممن أجاز في السرية دون الجهرية وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس ممن منع مطلقا وقد قال الحافظ(1) ابن حجر العسقلاني في الدراية(2) في تخريج أحاديث الهداية إنما ثبت ذلك أي المنع عن ابن عمر وجابر وزيد بن ثابت وابن مسعود وجاء عن سعد وعمر وابن عباس وعلي وقد أثبت البخاري عن عمر وأبي بن كعب وحذيفة وأبي هريرة وعائشة وعبادة وأبي سعيد في آخرين إنهم كانوا يرون القراءة خلف الإمام انتهى ملخصا وفيه أيضا نقلا عن جزء القراءة للبخاري نقول إنما يقرأ(3) خلف الإمام عند سكوته فقد روى سمرة كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - سكتتان سكتة حين يكبر وسكتة حين يفرغ من قراءته وقد صرح بذلك أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير وميمون بن مهران قالوا يقرأ(1) عند سكوت الإمام عملا بحديث لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وبالإنصات انتهى وقال ابن عبد البر(2) في الاستذكار اختلف فيه العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين على ثلاثة أقوال أحدها يقرأ مع الإمام في ما أسر ولا يقرأ في ما جهر الثاني لا يقرأ معه في ما أسر ولا في ما جهر والثالث يقرأ بأم القرآن خاصة في ما جهر وبأم القرآن وسورة في ما أسر فأما القول الأول فقال مالك الأمر عندنا أن يقرأ الرجل مع الإمام في ما أسر فيه الإمام بالقراءة ويترك القراءة في ما يجهر فيه وهو قول سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسالم بن عبد الله بن عمر وابن شهاب وقتادة وبه قال عبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق وداود الظاهري إلا أن أحمد بن حنبل قال إن سمع لم يقرأ وإن لم يسمع قرأ ومن أصحاب داود من قال لا يقرأ في ما قرأ إمامه وجهر ومنهم من قال يقرأ وأوجبوا كلهم القراءة إذا أسر واختلف في هذه المسألة عن عمر وعلي وابن مسعود فروي عنهم أن المأموم لا يقرأ لا في ما أسر ولا في ما جهر كقول الكوفيين وروى عنه أنه يقرأ في ما أسر ولا يقرأ معه في ما جهر كقول مالك وهو أحد قولي الشافعي كان يقوله بالعراق وروي ذلك عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وقال آخرون لا يترك أحد من المأمومين قراءة فاتحة الكتاب خلف إمامه في ما أسر وفي ما أجهر وممن قال بهذا الشافعي بمصر وعليه أكثر أصحابه وهو قول الأوزاعي والليث بن سعد وبه قال أبو ثور وهو قول عبادة بن الصامت وعبد الله بن عباس واختلف فيه عن أبي هريرة وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحسن البصري ومكحول وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في التمهيد وتأول أصحاب الشافعي في قول الله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(1) مخصوص بحديث أبي هريرة وعبادة كأنه قال استمعوا له وأنصتوا بعد قراءة فاتحة الكتاب وتأويل أصحاب مالك أن الآية موقوفة على الجهر في صلاة الإمام دون السر وهو قول داود إلا أن داود يرى القراءة بفاتحة الكتاب في ما أسر فيه الإمام فرضا وأصحاب مالك على الاستحباب في ذلك دون الإيجاب واختلف البويطي والمزني عن الشافعي فقال البويطي عن الشافعي يقرأ المأموم في ما أسر فيه الإمام بأم القرآن وسورة في الأوليين وبأم القرآن في الأخريين قال البويطي وكذلك يقول الليث والأوزاعي وروى المزني عنه أنه يقرأ في ما يسر فيه وفي ما يجهر فيه وهو قول أبي ثور وذكر الطبري عن العباس بن الوليد عن أبيه عن الأوزاعي قال يقرأ خلف الإمام في ما أسر وفي ما جهر وقال إذا جهر فأنصت وإذا سكت فاقرأ وروى سمرة وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كانت له سكتات في صلاته حين يكبر وحين يقرأ بفاتحة الكتاب وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع فذهب الحسن وأبو قتادة وجماعة إلا أن الإمام يسكت سكتات على ما في هذه الآثار المذكورة في التمهيد وقال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور حق على الإمام أن يسكت سكتة بعد التكبيرة الأولى وسكتة بعد فراغه من القراءة بفاتحة الكتاب وبعد الفراغ من القراءة ليقرأ من خلف بالفاتحة قالوا فإن لم يفعل الإمام فليقرأ معه بفاتحة الكتاب على كل حال وأما مالك فأنكر السكتتين ولم يعرفهما وقال لا يقرأ أحد مع الإمام إذا جهر لا قبل القراءة ولا بعدها وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس على الإمام أن يسكت إذا كبر ولا إذا فرغ من القراءة ولا يقأ أحد قبل الإمام لا في ما أسر ولا في ما جهر وهو قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وروى ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال سفيان الثوري وابن عيينة وابن أبي ليلى والحسن بن ؟؟؟؟ وهو قول جماعة من التابعين بالعراق وما أعلم في هذا الباب من الصحابة من صح عنه ما ذهب إليه الكوفيون من غير اختلاف عنه إلا جابر بن عبد الله وحده انتهى ملخصا وقد يقال عليه إن كون جابر ممن صح عنه ما ذهب إليه الكوفيون من غير اختلاف عنه مما ينكره رواية ابن ماجة عنه الدالة على القراءة في السرية كما مر ذكرها وفيه أيضا ذهب الكوفيون إلى كراهة القراءة خلف الإمام فيما أسر فيه وفيما جهر وهو قول أصحاب ابن مسعود وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وسائر أهل الكوفة وقال جماعة من فقهاء الحجاز والشام وأكثر المصريين يقرأ مع الإمام في ما يسر فيه وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود ثم اختلف هؤلاء في وجوب القراءة هاهنا إذا أسر الإمام فتحصيل مذهب مالك عند أصحابه إنه سنة ومن تركها فقد أساء لا يفسد ذلك عليه صلاته وكذلك قال أبو جعفر الطبري إن القراءة في ما أسر فيه سنة مؤكذة ولا يفسد صلاة من تركها وقد أساء وقال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وداود القراءة فيما أسر فيه الإمام واجبة ولا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركع منها بفاتحة الكتاب انتهى ملخصا.
صفحة ٣١