روايتُه، وعَوَّل عليها الأئمَّة مِن بعده في شروحاتِهم، وتآلِيفِهم على موطأ الإمام مالك.
وقد اشتهر بين العلماءِ أنَّ الأندلسَ والمغربَ بَلَدُ فقهٍ وفروعٍ، لا بَلدُ حديثٍ وإسناد، وأنَّ علماءَه اقْتَدَوا بعلماء الشَّرقِ وسَلَكُوا مسالِكَهم، وقلَّدوهم في علومِهم، وليس لَديهم استقلالٌ ولا تَمَيُّزٌ عِلْمِيّ، ولمَّا بلغ أبَا عَمرو بنَ الصلاح كتابُ القاضِي عياض مشارق الأنوار في بيان غريبِ الموطأ والصحيحين وغير ذلك قال فيه:
مشارقُ أنوارٍ تَسَنَّت بسَبتة ... وذا عجب كون المشارق بالغرب (١)
انتهى قوله.
قلت: لا عجب من ذلك؛ فقد كان المغربُ والأندلسُ دارَ حديثٍ وفقهٍ، برَز فيه علماءُ كثيرون، وكان في الأندلس طائفةٌ من العلماءِ لا يقِلُّون عن نظرائهم بالعراق وغيرِها من يَنابِيع العلم، كبَقِيِّ بنِ مَخلِد، وقاسم بن أَصْبَغ، وابنِ أَيْمَن، ومحمد بن وضَّاح، وابنِ عبد البَر، وأَبي عَلِيٍّ الجَيَّانِي وأبي علي الصَّدَفِي، والقاضي عياض، وغيرهم.
قال ابن حزم الأندلسي: "أُلِّفت عندنا تآليف في غايَة الحُسْن، لنَا خَطَرَ السَّبَق في بعضِها، فمِنها كتابُ الهِداية لعِيسى بن دِينار، وهي أرفَعُ كُتُب جُمعت في معناها على مَذهب مالك وابنِ القاسم ... -ثم عَدَّد ﵀ بعضَ كُتُب الفقه- ثم قال: وفي تفسير القرآن كتابُ أبي عبد الرحمن بَقِيِّ بنِ مخلد فهو الكتابُ الذي أَقْطَعُ لا أسْتَثْنِي فيه أنه لَم يُؤلَّف في الإسلامِ
_________
(١) المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي (ص: ٢٩٦).
1 / 8