غيرِه أَضَلَّه الله، وهو حَبْلُ الله المَتينُ، وهو الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وهو الصِّراطُ المستقيمُ، هو الذي لا تَزِيغُ به الأهواءِ، ولا تَلْتَبِسُ به الألسن، ولا يَشْبعُ منه العُلماء، ولا يَخْلَق عَن كثرةِ الرَدِّ، ولا تَنقضي عَجَائِبُه، مَن قَال بِه صَدَقَ، ومَن عَمِل به أُجِرَ، ومَن حَكَمَ به عَدَلَ، ومَن دَعَا إليه هُدِيَ إلى صِراطٍ مستقيم.
فلله الحَمد على نِعَمِه وآلائِه التِي لا تُحصَى وَصَدَق الله إِذ يقول: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.
ومِن نِعمِه تعالى على عِباده أن بَعَث فيهم رَسولًا مِنهم، يَتْلُو عليهمِ آياتِه، ويُزَكِّيهم ويُعلِّمُهُم الكتابَ والحكمةَ، فكانت أقوالُه وأفعالهُ أحكامًا من أحكام الدِّين، مبيّنةً لِمَا أُنزلَ مِن كتابِ رَبِّ العالَمِينَ، وضَمِن الله تعالى حِفْظَها؛ إذ حِفْظُها هُو حِفظٌ للقرآن الكريمِ، قال تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾، فبيّن ﷺ كتابَ ربِّه أحسنَ بيانِ وأكملَه، وبَلَّغَ الرسالةَ، وأدَّى الأمَانَةَ، ونَصَحَ الأمَّة، وجاهَدَ في الله حق جِهَادِه، ولَحِقَ بالرَّفِيقِ الأَعلى تارِكًا أمَّتَه على المَحَجَّةِ البَيضَاءِ ليلُها كنهارِها لاَ يَزِيغ عنها إلَّا هالك، وقَامَ الصَّحابةُ رِضوان الله عليهم مِن بعده بتَبليغ سُنَّتِه وأحوالِه لِمَن بَعدهم رَاغِبِين فِي الأجرِ والثوابِ، عاملين بِما أُمروا به مِن تبليغ الدِّين وبيانِ الكتاب، ثم أَخَذ العلماءُ الكبارُ والفقهاءُ الأعلامُ في تَدوينها، والتألِيفِ بينها وتَصنِيفِها، يُمَيِّزون صَحِيحَها من سَقيمِها، حِمايةً لَها من التحريفِ والتبديلِ، ورجاءً من الله الأجْرَ الجَزيلِ.
وقد بَرَز في مَجال حِفظِ السُّنة النَّبويَّة علماءٌ أجلَّاء، وأئمةٌ أعلام، منهم إمامُ دارِ الهجرة النبويَّةِ شيخُ الإسلام حُجَّةُ الأمَّة، إمامُ الأئمَّةِ، أبو عبد الله
1 / 6