أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ١٠٧] مثل قوله: ﴿إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠]، وقد ذهب الكوفيون وابن قتيبة إلى أنَّ مثل هذا منصوبٌ على التمييز وإن كان معرفة، وقد ذكروا لذلك شواهد كثيرة من كلام العرب، مثل قولهم: "آلم فلانٌ رأسَه"، و"وجع بطنَه"، و"رشد أمره"، ومنه: قوله تعالى: ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ [القصص: ٥٨] فالمعيشة نفسها بطرت، وقوله: ﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠]، معناه: سفهت نفسه، أي: كانت سفيهة، فلمَّا أضاف الفعل إليه (^١) نصبها على التمييز.
وهذا الذي قاله الكوفيون أصحُّ في اللغة والمعنى، فإن الإنسان هو السفيه نفسه، كما قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٢]، كذلك قوله: ﴿تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] أي: تختان أنفسكم، فالأنفس هي اختانت، كما أنَّها السفيهة، وقال: "اختانت" ولم يقل: "خانت"، لأنَّ الافتعال فيه زيادة على ما في مجرد الخيانة).
قال في أثناء كلامه: (أو يكون قوله: ﴿تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] أي: يخون بعضكم بعضًا، كقوله: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، فإنَّ السارق وأعوانه خانوا إخوانهم المؤمنين، والمجامع إذا جامع امرأته [وهي لا تعلم] (^٢) أنَّه حرامٌ فقد خانها).
قال: (والأوَّل أشبه، والنفس هي خانت، فإنَّها تحب الشهوة والمال والرئاسة، و"خان" و"اختان" مثل: "كسب" و"اكتسب"، فجعل الإنسان مختانًا، ثمَّ بيَّن أنَّ نفسه هي التي تختان، كما أنَّها هي
_________
(^١) في "الفتاوى": (فلما كان الفعل []) ونبه مصصحها ﵀ على أنه وقع فيها بياض.
(^٢) في الأصل: (وهو لا يعلم)، والتصويب من "الفتاوى".
1 / 68