واعلم أن المعترض أخذ هذا التعميم من حديث قد أورده فيما سيجيء وهو ما روي من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله يصنع كل صانع وصنعته))، وهكذا رواه البخاري في مؤلفه في باب الأفعال ومناصرة مذهبه في الحسن، ما تجاسر على أن يدخله في جامعه الصحيح المشهور لعلمه بحاله ورجاله، وقد رواه غير البخاري من الدعاة إلى بدعة الجبر وخلق الأعمال بألفاظ تدل على نوع اضطراب كما سيجي مفصلا إن شاء الله تعالى، ولا يخفى ما فيه مع ذلك من مخالفة دليل العقل القاطع بظاهره ومخالفة مذهبي الفريقي.
أما الأشاعرة: فلما مر مفصلا، وأنه لا سبيل إلى دلالته على أن الله تعالى صانع حقيقة لصنعة العباد حقيقة وإلا لزم القول بالاشتراك الذي هو خلاف الأصل ولزم أنه تعالى صانع للكسب وأن الكسب من مصنوعاته ومخلوقاته وأنه شيء يتصف بالوجود حقيقة والكل باطل إجماعا، ولا سبيل إلى أنه تعالى صانع حقيقة لصنعة العباد ومجازا؛ لأنه لا يجديهم نفعا [9]كالقول بأنه تعالى صانع مجازا لصفة العباد، وأيضا لو ثبت هذا الحديث كان مستلزما لصحة إطلاق أمم الصانع على الله تعالى بالنظر إلى أفعال العباد، فيقال صانع المعاصي والفحشاء، وهم لا يجوزون ذلك كما لا يجوزون القول بأنه تعالى عامل لأعمال المعاصي بناء منهم على أنه تعالى خالق لها لا عامل ولا فعال كما مر وسيأتي، وأيضا فلو ثبت هذا الحديث عندهم إنما احتاجوا إلى التفتيش عن جواز اسم الصانع على الله تعالى.
صفحة ٢٤