وأما الجواب التفصيلي فنقول: أن كلام العدلية والأشاعرة وسائر الباحثين في الحسن والقبح عقلا مبني على صحة العقول واستقاصة تراكبيها التي ركبها الله عليها، فإذا كانت عندك أيا السيد عير صحيحة ولا سليمة، بل متهمة بالفساد في إدراكها فقد سقط التكليف عنا وعنك، وبطلت الشرائع والنبوان لا ما ثبتت لا بمحض العقل، فالعقل أصل للنقل فإذا بطل حكم العقل وزالت الثقة به فقد أنهدم الشر لفساد الفرع عند فساد الأصل، وإذا بطلت الشرائع وسقطت التكاليف فقد سقط البحث ولم يبق علينا ولا عليك تكليف به ولا بغيره مما هو أهم منه، ونرجع إلى السفسطة ونحوها، ولا نطر لها حينئذ إلى شرع ولا إلى عقل ما الداعي لنا إلى الكلام في الحسن والقبح عقلا أو شرعا، ولا يبقى للأشاعرة سبيل إلى القول بأن الأحسن إلا ما حسنه الشرع، ولا قبح إلا ما قبحه؛ لأن الشرع على هذا التقدير قد أنهار وتهدمت إن كان بالكلية، هذا معنى ما ذكره لي شيخي رحمه الله تعالى، وكان بلفط وجيز ليس عل هذا البسط، وقد ذكر لي مرة أخرى بلفظ آخر وأخبرني قدس الله روحه أن السيد المذكور رحم الله مثواه لما سمعه بعبارة شيخنا انقطع ورجم واضطرب، ثم خرج إلى نوع من أنزع الشعب حتى ذكر كلاما [68] لابن عربي وذكر الذين .... مع علمه بابن عربي لا يتقيد بعقل ولا نقل في مطلب، ثم نقول: أن العجب من كثير من الأشاعرة ومهم المعترص كيف يقدحون في العقلو ويتهمونها بالغلط في المعقول وهم مع ذلك مطنبون إلى العادات وقائلون بأنها معتمدهم في إثبات الشرائع والنبوات كما مر مفصلا مطولا بتكرير العبارات، ولا يحفى أن اتهام العقول بسقط اعتبار العادات؛ لأنها على العقل .... وبها ثبتت، وكيف لا والعقل هذا هو الذي يلاحظها ويحكم بها من حيث أنه إذا عقل أن تكر الشيء وعود المرة بعد المرة على وتيرة واحدة وطريقة مستمرة كان سأنه كذا وكذا كنا مر في الخبر المتواتر وغيره، وأن سأنه إفادة العلم عند جمعه للشرائط.
صفحة ١٥٠